مقالات و أراء

رسالة من السيدة إيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونسكو بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة

أنتبه, فتح في نافذة جديدة. صيغة PDFطباعةأرسل لصديقك

كتبها Administrator الخميس, 24 نوفمبر 2011 15:41

رسالة من السيدة إيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونسكو
بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة
25 تشرين الثاني/نوفمبر 2011
إن العنف ضد المرأة يضرب مجتمعاتنا في الصميم. إنه يمثل انتهاكاً وحشياً لكرامة الأفراد وإهانة لحقوقهم الإنسانية. وهو يحط من كرامتنا جميعاً. ويشكل هذا اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة فرصة للتعاضد من أجل وقف هذا العنف.
ولا يعرف هذا العنف أي تمييز. فيمكن أن يكون بدنياً أو جنسياً أو نفسياً أو اقتصادياً. ويمكن أن يحدث أثناء نزاع أو وقت السلام. إنه يصيب النساء من جميع الأعمار والأصول والطبقات الاجتماعية. وهو يشمل كل ثقافة ومنطقة في جميع أرجاء العالم.
ويخلّف العنف آثاراً مدمرة - بالنسبة للأفراد والمجتمعات المحلية والمجتمعات بشكل عام. وهو يؤثر على صحة النساء. كما يؤثر على قدرتهن على المشاركة مشاركة كاملة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعامة. وهو يعزز أشكال التمييز والحرمان الأخرى. ويمنع المجتمعات من تحقيق تنمية استيعابية ومستدامة، ويقوّض الجهود المبذولة لبلوغ الأهداف الإنمائية للألفية.
وقد أصبحت الحكومات تتخذ إجراءات للقضاء على العنف ضد المرأة. كما أعد المجتمع الدولي اتفاقيات وسياسات تسعى إلى منع العنف والقضاء عليه. وعلى الرغم من كل ذلك، تظل مستويات العنف مرتفعة، مما يقتضي تعبئة أكبر واتخاذ إجراءات أكثر صرامة.
وتساهم اليونسكو في هذا الكفاح من خلال البحوث المعمقة التي تجريها في الأسباب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية الأساسية لهذا العنف. واستناداً إلى المعارف التي نكتسبها في هذا الصدد، نتعاون مع واضعي السياسات لتحديد استراتيجيات جديدة لدرء العنف، ونساند النساء اللواتي يتأثرن بالعنف لتمكينهن من إيجاد استراتيجيات لمقاومته. كما نعمل على إشراك الصبيان والرجال في هذا الصدد من خلال تنظيم حملات وقائية لتغيير أنماط السلوك وإشراكهم بنشاط في الأنشطة الوقائية.
ويتمثل هدفنا بالتالي في إمكانية التخلي عن إحياء هذا اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة. فالعنف ضد المرأة يضعف المجتمعات ككل. وعلينا أن نعزز كرامة كل فتاة وامرأة وأن نحمي حقوق الإنسان الخاصة بكل عضو من أعضاء المجتمع. وهذه هي الأسس التي تتيح المزيد من الشمول والاستدامة والسلام في القرن الحادي والعشرين. وهذه هي التزاماتنا اليوم.

إيرينا بوكوف

 

المرأة السورية في دستور المستقبل

أنتبه, فتح في نافذة جديدة. صيغة PDFطباعةأرسل لصديقك

كتبها Administrator الأربعاء, 23 نوفمبر 2011 13:17

المرأة السورية في دستور المستقبل

 

 

ليست المرأة السورية بأسوأ أحوالها كما في بعض البلدان العربية، إلا أنها ما زالت تسير على درب طويل للحصول على كامل حقوقها المدنية التي اجتزأتها في كثير من الحالات القوانين السورية.
وفي خضم العمل على صياغة دستور جديد لسورية يتوقع منه المضي بالبلاد إلى مستقبل جديد تتطابق فيه المسافة الفاصلة بين القوانين النافذة وبين المواطنين الذين يخضعون لها، فلعل العمل على رفع الحيف الذي تكرسه بعض النصوص الجائرة بحق المرأة، بات أمرا ملحا لم يعد بالإمكان تجاوزه أو تأجيله في بنيان ديمقراطي مدني قادم.
وترى الدكتورة كندة الشماط الأستاذة في كلية الحقوق بجامعة دمشق وعضو لجنة صياغة الدستور الجديد، أن مشاركة المرأة في وضع الدستور وسن القوانين واجب وطني وحق إنساني ويعد أحد أهم حقوق المواطنة وحقوق الإنسان.
وتبين الشماط أن المرأة تستبعد في العديد من الدول عن المشاركة في صياغة الدستور على عكس ما نراه على أرض الواقع في سورية التي تسعى وبشكل دائم لإزالة جميع أشكال التمييز في المجتمع منها ما يتعلق بالتمييز ضد المرأة.
وأشارت الشماط إلى أن «العضوات» الثلاث في لجنة صياغة الدستور لا يمثلن تياراً واحداً، فمنهن البعثية والقومية السورية إضافة إلى المستقلة، ما يكرس تمثيلاً رائداً للمرأة بكل تياراتها واتجاهاتها.
وأضافت الشماط: شاركت المرأة السورية بصياغة العديد من القوانين في لجان مرحلة التطوير والتحديث منها لجنة الأحزاب ولجنة الإعلام، مشيرة إلى أنه «فيما يخص الدستور الحالي، فلن تقتصر المشاركة على جانب دون آخر إنما ستكون شاملة منها السياسي والاقتصادي والحريات، من هذا المنطلق يجب ألا نستهين بما وصلت إليه اليوم المرأة السورية من تحقيق مكاسب كبيرة».

أهمية المشاركة
الدكتورة أمل اليازجي الأستاذة في كلية الحقوق بجامعة دمشق وعضو لجنة إعادة صياغة الدستور رفضت الحديث عن مشاركة المرأة في صياغة الدستور تبعا للنوع، فالمسألة بنظرها لا تتعلق بالجنس بقدر تعلقها بأفكار الشخص نفسه.
واعتبرت اليازجي أن للمرأة رؤى وأبعاداً تختلف عن رؤى الرجال، فهي ترى الأشياء بمنظور مختلف، يشكل اجتماعهما رؤية أشمل بما يصب في مصلحة المجتمع والوصول إلى أفضل نص يعكس حقيقة السوريين وليس حقيقة الأشخاص.
ويقول الدكتور محمد خير العكام الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة دمشق وعضو لجنة إعادة صياغة الدستور أن مشاركة المرأة في لجنة صياغة القانون إنما تؤكد حقيقة مساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات، مضيفاً بالقول: علينا ألا نعتبر هذا انتصاراً للمرأة أو حقاً انتزعته من الرجل إنما هي عملية تكاملية، ومن الناحية القانونية لا توجد أي قيود تشريعية تحد من ممارسة المرأة لكافة حقوقها والتزاماتها، أما ما يفرضه السياق العام للحياة وطريقة تفكير المجتمع السوري فلا يمكن فرضها على أحد، فلكل فرد الحق في أن يعيش كما يريد، وهناك بعض النسوة اللواتي يفضلن الانكفاء عن الحياة العامة والبقاء في إطار بيوتهن ليكنّ أمهات ومربيات وهن حرّات فيما يخترن.
ويؤكد الأستاذ بسام القاضي مدير مرصد نساء سورية، أن مشاركة المرأة في لجنة إعادة صياغة القانون كامرأة بالمعنى الجسدي هو أمر مهم يؤكد أن النساء قادرات على القيام بشيء، ومن حيث الصورة وجود النساء بكل أماكن العمل والأماكن الاعتبارية مفيد من دون شك للتخلص من الصورة النمطية التي تعتبر المرأة عاطفية لا تستطيع التفكير في إطار عام.
ويتابع القاضي: لا يحوي الدستور السوري أي مادة تقول إن النساء والرجال متساوون في الحقوق والواجبات، لذلك فإن إدراج مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة أمر ضروري ينبغي تضمينه في الدستور، فالعديد من البلدان لا تحوي مثل هذه القوانين في دستورها لأنها لا تعاني المشاكل التي نعانيها وليس لديها مشكلة اللغة العربية، فاللغة العربية في بلادنا لغة مجنسة، يقال إن المقصود من المادة بصياغتها الحالية أن تكون عامة لأن الأصل في اللغة العربية هو استخدام ضمير الذكور وهو يعني ضمنيا الاثنين «وهو ما أعتقد شخصيا أنه هراء».  ويضيف القاضي: هناك أربع مواد تتعلق بدعم الدولة لعمل المرأة واحترامها، إذا لم يكن هناك فرق بين المرأة والرجل في الدستور كما يقول البعض فلماذا يخصص ثلاث مواد للمرأة.
المادة الثالثة أيضاً فيها تمييز ديني والتمييز الديني يؤدي لتمييز جنسي فهل ستتجرأ «العضوات» الثلاث على إلغاء هذه القوانين. إن وجودهن الجسدي لا يقرر شيئاً ما لم ينعكس هذا الوجود في اقتراح إلغاء بعض مواد الدستور وتثبيت مادة واضحة وصريحة تؤكد أن النساء والرجال متساوون في الحقوق والواجبات، وتثبيت هذا البند هو الوحيد الذي يجعل لوجود المرأة قيمة.
النقطة الأخرى الذي يعتبرها القاضي مهمة تتعلق بآلية صنع القرار في سورية معتبراً بأنها «غير ديمقراطية» ما يعني بأن المشاركة النسائية لن تكون فعالة في الحياة السياسية بأي شكل من الأشكال، إذا لم تتم عملية صياغة الدستور الجديد وعمليات الإصلاح القانوني على أساس المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة ستكون مشكلة كبيرة.

معوقات التطور المرحلية
وجود بعض القوانين التمييزية من المعوقات التي تحول دون وصول المرأة للمستوى المطلوب بحسب الدكتورة الشماط، مضيفة: خاصة قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات الذي يميز بين المرأة والرجل في قضايا جرائم الزنى من حيث العقوبة وما يترتب على ذلك من قضايا كثيرة.
وأشارت الشماط أيضاً إلى رزمة من النصوص التي تغبن المرأة حقها كقانون الجنسية حيث لا تستطيع منح جنسيتها لأولادها إلا ضمن شروط محدودة جدا، كما تحتاج إلى ولي عليها أو وصي على أبنائها ولا تستطيع إدارة أموال أولادها بنفسها، إضافة إلى مسألة الطلاق التعسفي وما ينجم عنها... كل هذه المواضيع تحتاج إلى حراك شعبي وإجماع على تغيير هذه القوانين.
أما على صعيد الحركة النسائية فلا يزال هناك ضعف ناتج من ضعف التنسيق والابتعاد عن جوهر الموضوع وضعف التواصل بين المجتمع الأهلي وبين الجهات الحكومية المعنية بقضايا المرأة، وأكدت الشماط أهمية التشاركية بين جميع الجمعيات المعنية بشؤون المرأة وضرورة العمل وفق برامج متقاربة ووجود أسس واضحة يمارس على أثرها المجتمع الأهلي الرقابة على الجهات الحكومية فيما يتعلق بقضايا المرأة، والأهم من كل ذلك وجود إستراتيجية واضحة للعمل وفقها وتحديد سلم للأولويات والعمل للحفاظ على الاستحقاقات وتحقيق منجزات نحو الأفضل.
الدكتور العكام يشير في هذا الجانب إلى عدم وجود أي عوائق في القانون السوري يحد من حرية المرأة وبالتالي يقع الدور على عاتق المرأة في التفكير بتطوير ذاتها، ويجب الابتعاد عن منطق أن المرأة مضطهدة لأنه لا مكان في المجتمع السوري لأي فوارق ومجرد التفكير بكيفية حماية مصالح المرأة هو تفتيت لبنية المجتمع، الرجل والمرأة كل منهما يكمل الآخر ولكل منهما دوره في المجتمع عليه أن يمارس هذا الدور بالشكل الذي يراه مناسبا له.
ويضيف العكام: لا أستطيع أن أفرض على المرأة أن تعمل لكنه حق كرسه الدستور، ولا يوجد أي قانون يجبرها على الزواج، والقانون لم يفرق بين المرأة والرجل في حق التعليم، إذا القانون أنصف المرأة وفكر بالمسألة التكاملية لكنه وضع ضوابط.
ويعتقد العكام أن سورية أعطت المرأة مكانة سامية أكثر من المجتمعات الغربية، متسائلاً: عندما يعطى للمرأة حق النفقة سواء كانت تعمل أم لا نفقة المرأة على زوجها أو وليها أليس هذا تكريما للمرأة؟.. وفي قانون الأحوال الشخصية لا بد من موافقة ولي الأمر على زواجها أليس هذا تكريما للمرأة؟.. مبيناً أن المرأة هي المسؤولة عن تغيير واقعها نحو الأفضل.
من جانبه يرى القاضي أن حركات التحرر النسائية إما أصبحت تابعة لمؤسسات حزبية مثل الاتحاد النسائي، أو تحولت لتجارة حقوق المرأة، مبيناً بأن المسؤولية لا تقع على عاتق الحكومة وحدها، فمنذ عام 2000 كان هناك مجال لتطور حركة المرأة، لكننا لم نلاحظ أي نشاط مميز لأن الفساد ناخر في نقابات الاتحاد النسائي وانحصرت المسألة في البيروقراطية ولم يعد لها أي علاقة بالمرأة.
وأوضح القاضي أن هناك منظمات نسائية تابعة لأحزاب منها - رابطة النساء السوريات- التابعة للحزب الشيوعي، وهناك أيضاً جمعية «تطوير دور المرأة» و«لجنة دعم قضايا المرأة»، مشيراً إلى أن المساواة الحقيقية في المجتمع ما زالت تحتاج إلى تطوير ومساندة ودعم لأنه وعلى الرغم من وصول المرأة إلى مراتب عليا في المجتمع، إلا أن مشاركتها الحقيقية مازالت غير مقبولة على أرض الواقع لاصطدامها بالموروث الثقافي الذكوري.

مهام مرحلية
من الأهمية بمكان التوجه في المرحلة المقبلة لكافة أفراد المجتمع السوري وعدم الاقتصار على العنصر النسائي فقط لأنه لا تزال هناك عادات وتقاليد تفرض نفسها بقوة على الواقع، بحسب الدكتورة الشماط، مبينة بأن ما تحتاجه المرأة ليس تعديل القوانين فقط، وإنما إلى فكر جديد يتلاءم مع متطلبات المرحلة وضرورة التوجه لجميع الجهات المعنية في المجتمع، إلى جانب نص دستوري يحوي في طياته المساواة بين المواطنين في القانون وليس أمام القانون، بناء على المكتسبات السابقة.
وختمت الشماط بالقول: أكثر ما سنسعى إليه في مرحلة ما بعد الدستور هو العمل على كيفية إيصال نساء متمكنات إلى مجلس الشعب والإدارة المحلية، إضافة إلى دعم وجود المرأة في كل قطاعات الحياة وأكثر ما نحتاج إليه هو رفع الوعي بالقضايا المتعلقة بشؤون المرأة، متوقعة أن تنجح النساء «العضوات» في لجنة صياغة الدستور في تحقيق مكاسب إضافية للمرأة، ودفع نحو الأمام للخروج من دائرة الأفكار الضيقة السلبية التي ما زالت تطرح في المجتمع السوري.


الوطن أونلاين
22/11/2011

 

القانون الدولي لحقوق الإنسان والحقوق المترابطة

أنتبه, فتح في نافذة جديدة. صيغة PDFطباعةأرسل لصديقك

كتبها Administrator الأربعاء, 23 نوفمبر 2011 02:34

القانون الدولي لحقوق الإنسان والحقوق المترابطة

د. محمد نور فرحات

أستاذ فلسفة القانون ، بكلية الحقوق ، جامعة الزقازيق - جمهورية مصر العربية

سنحاول في هذا الفصل الإجابة على الأسئلة الآتية :

1- ما هو مفهوم حقوق الإنسان من المنظور الدولي؟ و ما هي أهم الوثائق التي تضم حقوق الإنسان وتنظمها في شكل نصوص محددة؟ (المواثيق العالمية والإقليمية والوطنية)

2-ما هي علاقة مفهوم حقوق الإنسان بقواعد القانون الدولي ذات الصلة وهي على وجه التحديد القواعد الخاصة بمنظمة العمل الدولية والقانون الدولي الإنساني وقواعد حماية اللاجئين ؟

3- ما هو وضع القانون الدولي لحقوق الإنسان في التشريع الوطني ؟

4- ما هي العلاقة بين حقوق الإنسان والديموقراطية في السياقات العالمية والعربية؟ ومنهجنا في الإجابة على هذه الأسئلة محكوم بالهدف من إعداد هذا الدليل، أي هو المنهج الوصفي الذي يسعى إلى أن يقدم للقارئ القدر الكافي من المعلومات عن المسألة محل النقاش دون الخوض في تفصيلات أو مسائل خلافية قد لا يكون هذا محلها. كما أننا سنحاول الابتعاد عن الصياغات الفقهية ذات الطابع الفني القانوني التي قد لا يحيط بها سوى رجال القانون وحدهم، ما دام هذا الدليل موجهاً إلى جمهور المهتمين بقضايا حقوق الإنسان وليس إلى القانونيين وحدهم.

كما تجد هذه الصفة الإنسانية الشاملة للحقوق سندها أيضا من نص المادة الثانية من الإعلان التي تقرر أن "لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان دونما تمييز من أي نوع ولا سيما التمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسيا وغير سياسي أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر".

هذا الطابع الإنساني الشامل للحقوق يضفي عليها طابعا أخلاقيا ، ويجعلها حقوقا غير قابلة للتنازل عنها، وغير مشروعة الانتهاك لأي سبب من الأسباب. وتصبح هذه الحقوق هي بذاتها مصدر الشرعية ولا تستمد شرعيتها من أي نظام قانوني وضعي.

فإذا أصدرت الدولة الوطنية تشريعا ينتهك حقوق الإنسان لمواطنيها بأن يحرمهم من حرياتهم الطبيعية مثلا أو يميز بينهم بسبب الدين أو الأصل أو اللغة أو العرق كان هذا القانون عاريا من الشرعية القانونية وكانت الدولة التي أصدرته عارية من الشرعية السياسية(1).

أولا : مفهوم حقوق الإنسان من المنظور الدولي

عادة ما يعرف الباحثون حقوق الإنسان بأنها مجموعة الحقوق التي يتمتع بها الإنسان بوصفه إنسانا. هذا التعريف يجد سنده فيما نصت عليه المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بقولها "يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم البعض بروح الإخاء".

كما تجد هذه الصفة الإنسانية الشاملة للحقوق سندها أيضا من نص المادة الثانية من الإعلان التي تقرر أن "لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان دونما تمييز من أي نوع ولا سيما التمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسيا وغير سياسي أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر".

هذا الطابع الإنساني الشامل للحقوق يضفي عليها طابعا أخلاقيا ، ويجعلها حقوقا غير قابلة للتنازل عنها، وغير مشروعة الانتهاك لأي سبب من الأسباب.

وتصبح هذه الحقوق هي بذاتها مصدر الشرعية ولا تستمد شرعيتها من أي نظام قانوني وضعي. فإذا أصدرت الدولة الوطنية تشريعا ينتهك حقوق الإنسان لمواطنيها بأن يحرمهم من حرياتهم الطبيعية مثلا أو يميز بينهم بسبب الدين أو الأصل أو اللغة أو العرق كان هذا القانون عاريا من الشرعية القانونية وكانت الدولة التي أصدرته عارية من الشرعية السياسية(1). وبطبيعة الحال يمكن تتبع حقوق الإنسان في التراث الديني والفكري للبشرية لقرون عدة سابقة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948. فلا تخلو ديانة من الديانات من نصوص حول تكريم الإنسان. ولا تخلو ثقافة من الثقافات من مبادئ للرحمة والعدل والإنصاف.

ولكننا عندما نتحدث عن التراث العالمي المعاصر لحقوق الإنسان فإنما نعنى به مجموعة المبادئ الملزمة التي اتفقت الجماعة الإنسانية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية تحديدا على الالتزام بها التزاما قانونيا يجد سنده في آليات دولية وداخلية تكفل تحقق ذلك الالتزام. أي أن حقوق الإنسان في عصرنا هذا لم تعد مجرد مبادئ فاضلة تحض عليها الأخلاق القويمة أو تعاليم تحض عليها الأديان ولكنها تحولت إلى التزامات قانونية يتعرض من يخالفها لجزاءات على المستويات الدولية والإقليمية والوطنية.

فمصطلح حقوق الإنسان إذن يشير إلى مجموعة الحقوق اللصيقة بالشخصية الإنسانية التي نصت عليها المواثيق الدولية والتي يتمتع بها الإنسان ولا يجوز تجريده منها لأي سبب كان بصرف النظر عن كل مظاهر التمييز مثل الدين واللغة واللون والأصل والعرق والجنس وغير ذلك.

فئات الحقوق :

جرى العمل على تقسيم حقوق الإنسان إلى فئات وفقا لموضوعها ووفقا لمصادرها ووفقا لنطاقها الإقليمي. فمن حيث الموضوع تنقسم الحقوق إلى حقوق مدنية وسياسية وحقوق اقتصادية واجتماعية بالإضافة إلى الحقوق الجماعية أو التضامنية أو الحقوق الجديدة التي تعنى لحماية حقوق فئات خاصة.

الحقوق المدنية والسياسية وهي الفئة التقليدية من فئات حقوق الإنسان التي ظهرت مع نمو التيار الليبرالي بدءا من كتابات ووثائق الثورة الفرنسية وحتى الآن. ويأتي في مقدمة هذه الحقوق الحق في الحياة وقد نصت عليه المادة الثالثة من الإعلان العالمي والمادة السادسة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ومؤدى هذا الحق تحريم الاعتداء على الحياة الإنسانية إلا لسبب يحدده القانون لضرورة في الحفاظ على الحياة الإنسانية ذاتها.

كما سيأتي تفصيله فيما بعد عند الحديث عن مضمون الحقوق. وتشمل الحقوق السياسية والمدنية أيضا حقوقا كثيرة مثل مبدأ المساواة أمام القانون والحق في الحرية والكرامة والسلامة الشخصية وما يتبع ذلك من ضمانات قانونية ضد القبض التعسفي والاعتقال التعسفي والتعذيب والمعاملة غير الإنسانية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة، وحرية الرأي والتعبير، وحرية الفكر والمعتقد، وحرية التنقل، وحرية إصدار الصحف، والحق في سلامة الجسم والحق في المشاركة السياسية، والحقوق القانونية كمبدأ المساواة أمام القانون وقرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة واستقلال القضاء وغير ذلك.

أما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فتدين في نشأتها وزيادة الوعي بها إلى نمو وتصاعد تيارات الفكر الاشتراكي. وتتمثل هذه الحقوق في الحقوق اللازمة للرفاهية الاجتماعية والاقتصادية والنمو الثقافي للإنسان مثل الحق في التعليم وفي التمتع بمنتجات العلم والثقافة وفي المسكن الملائم وفي الرعاية الصحية وفي التنظيم النقابي وغير ذلك.

أما الحقوق الجماعية أو التضامنية فهي الحقوق المقررة لجماعات من الناس مثل الحق في التنمية والحق في تقرير المصير والحق في البيئة النظيفة الخالية من التلوث، وتزداد يوما بعد يوم الأهمية التي تكتسبها هذه الحقوق. ويذهب البعض إلى تقسيم حقوق الإنسان تقسيما موضوعيا عاما وفقا لمجالات الحماية بالقول بأنها تشمل المجالات التالية:

الحق في السلامة الجسمية ويشمل الحق في الحياة والحرية والأمن والحماية من التعذيب وحرية الانتقال واللجوء، والحق في المستوى اللائق للمعيشة، والحق في الرعاية الصحية، والحق في الأسرة والزواج، والحق في العمل والحق في التأمين الاجتماعي والحق في التعليم والتدريب وحق الملكية والحق في الحماية القانونية مثل التمتع بالجنسية ومبدأ المساواة أمام القانون وحق المحاكمة العادلة وحقوق المتهمين والمذنبين، والحق في الحماية العقلية والمعنوية، والحقوق السياسية والديموقراطية والحقوق الجماعية مثل حق تقرير المصير والحق في التنمية والحق في البيئة وحقوق الأقليات والفئات الاجتماعية المضرورة كالمرأة والطفل.

مصادر حقوق الإنسان:

1-المواثيق العالمية

"المواثيق العالمية هي التي تتسع دائرة خطابها لتشمل الأسرة الإنسانية الدولية بأسرها دون أن تتقيد بإقليم محدد أو بجماعة بعينها. والأمثلة الظاهرة على هذه المواثيق ما صدر عن منظمة الأمم المتحدة من إعلانات واتفاقات وعهود لحماية وتطوير حقوق الإنسان، بدءا من ميثاق الأمم المتحدة ثم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ،ثم العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حتى اتفاقية إزالة كافة أشكال التميز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل وما سبق وتلا ذلك من اتفاقات وإعلانات.

كان تأمين احترام حقوق الإنسان أحد الأهداف الرئيسية لقيام منظمة الأمم المتحدة التي وقع ميثاقها في سان فرانسسكو عام 1945. فالفقرة الثانية من المادة الأولى من الميثاق تتحدث عن حق تقرير المصير الذي هو أساس لحقوق الإنسان جميعها. والفقرة الثالثة من نفس المادة جعلت من أهداف الأمم المتحدة تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا والتشجيع على ذلك دون تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ..." وسجلت المادة 56 تعهد الدول أعضاء منظمة الأمم المتحدة بالقيام بأعمال انفرادية ومشتركة لتحقيق احترام ومراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع.

وتنص المادة الستون على أنه للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يقدم توصيات تتعلق بإشاعة احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ومراعاتها. ورخصت المادة الثامنة والستون للمجلس أن ينشئ لجانا لتحقيق أهدافه، فتم إنشاء لجنة حقوق الإنسان التي لعبت وما تزال دورا مهما في إعداد مشروعات اتفاقيات حقوق الإنسان التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ويأتي في مقدمة المصادر العالمية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر عام 1948. هذا الإعلان وإن ذهب بعض رجال القانون على أنه ذو طابع أدبي غير ملزم لأنه لم يصدر في شكل اتفاقية دولية ملزمة لأطرافها إلا أنه من المستقر عليه الآن أن مبادئ هذا الإعلان تدخل في قواعد القانون الدولي العرفي التي استقرت في ضمير الجماعة الإنسانية وتعتبر قواعد دولية آمرة لا يجوز انتهاكها بصرف النظر عن إعلان الدولة الوطنية لقبولها من عدمه.

وقد تبع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مجموعة من الوثائق الدولية في شكل اتفاقات أو إعلانات شكلت اليوم ما يعرف بالقانون الدولي لحقوق الإنسان. ويأتي في مقدمة هذه الوثائق العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966، ويشكل هذين العهدين بالإضافة إلى الإعلان العالمي ما يعرف اليوم باسم الشرعة الدولية لحقوق الإنسان International Bill of Human Rights 2.

وتبع ذلك مجموعة من المواثيق الخاصة صدرت في شكل معاهدات دعت الأمم المتحدة الدول المختلفة للانضمام إليها والتوقيع والتصديق عليها. ويقسم الباحثون هذه المواثيق إلى فئات ثلاث:

أولا : مواثيق حماية الجماعات الأكثر حاجة للحماية مثل الأطفال والنساء والمعاقين وكبار السن والأقليات والأجانب واللاجئين وعديمي الجنسية.

من هذه المواثيق اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (1967) واتفاقية حقوق الطفل (1989) واتفاقه وضع اللاجئين (1951) والبروتوكولات الملحقة بها.

ثانيا : المواثيق الخاصة بحقوق محددة. وهي التي تحيط بعناية إضافية بعض الحقوق التي شملتها المواثيق العامة. مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (1965) والاتفاقية الخاصة بمنع الرق، واتفاقية منع السخرة واتفاقية منع التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، واتفاقية الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي واتفاقية علاقات العمل واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.

ثالثا : مواثيق تطبق خلال النزاعات المسلحة : وهذه تعرف باسم القانون الدولي الإنساني وهو القانون الذي يهدف إلى ضبط سلوك المتحاربين أثناء النزاعات المسلحة بما يؤدى إلى تخفيف معاناة ضحايا الحروب الخاضعين لسلطة العدو. هذا القانون يتمثل في اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 حيث تتعلق الاتفاقية الأولى بتحسين حال الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة في الميدان، وتتعلق الاتفاقية الثانية بتحسين حال المرضى والجرحى والغرقى في البحار، وتتعلق الاتفاقية الثالثة بحماية أسرى الحرب، أما الاتفاقية الرابعة فهي تتعلق بشأن حماية المدنيين وقت الحرب(3).

2-المواثيق الإقليمية:

المواثيق الإقليمية لحقوق الإنسان هي تلك التي تخاطب نطاقا إقليميا محددا أو مجموعة جغرافية خاصة غالبا ما يجمعها جامع ثقافي متميز.وهناك أسباب عدة تبرر لجوء الجماعات الإقليمية إلى التنظيم القانوني الدولي لمسائل حقوق الإنسان : منها رغبة المجموعات الإقليمية في التأكيد على الحقوق المنصوص عليها في المواثيق العالمية وإكسابها طابعا إلزاميا إقليميا أكثر إلزامية مما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية، ومنها تضمين المواثيق الإقليمية حقوقا جديدة لم تتضمنها المواثيق العالمية استجابة لاعتبارات الخصوصية الثقافية الإقليمية، ومنها رغبة المجموعة الإقليمية في وضع آليات للرقابة أكثر فعالية على المستوى الإقليمي(4).

وتنص هذه المواثيق على مبادئ حقوق الإنسان محل الحماية التي تتفق في مجملها مع المبادئ والمعايير الدولية وإن عكست خصوصية كل مجموعة إقليمية بالتركيز على أنواع معينة من الحقوق. كما تنص أيضا آليات الحماية التي تتبع للتعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان في الدول المعنية.

وسوف يأتي الحديث عن هذا تفصيلا في موقعه من هذا المؤلف.

ومن أهم المواثيق الإقليمية لحقوق الإنسان:

المواثيق الأوروبية، والمواثيق الأمريكية، والمواثيق الأفريقية ثم المواثيق العربية لحقوق الإنسان .

وآخر هذه المواثيق الميثاق العربي لحقوق الإنسان. وقد صدر مؤخرا عن مجلس الجامعة بناء على المساعدة الفنية الاستشارية التي تلقتها الجامعة من مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وهذا الميثاق لم يدخل حيز النفاذ بعد. وتبرز في ثنايا هذا الميثاق خصوصية الواقع السياسي والثقافي العربي في إطار الالتزام العام بالمبادئ العالمية لحقوق الإنسان.

فهو ينص في ديباجته على أنه جاء تحقيقا للمبادئ الخالدة للدين الإسلامي الحنيف والديانات السماوية الأخرى في الأخوة والمساواة والتسامح بين البشر كما يؤكد على إيمانه بوحدة الوطن العربي مناضلا دون حريته وعلى رفضه لكافة أشكال العنصرية والصهيونية التي تشكل انتهاكا لحقوق الإنسان. ويؤكد الميثاق في مادته الثانية على حق الشعوب في تقرير المصير وعلى حق الشعوب في العيش تحت ظل السيادة الوطنية والوحدة الترابية وعلى أن كافة أشكال العنصرية والصهيونية والاحتلال والسيطرة الأجنبية هي تحد للكرامة الإنسانية وعائق أساسي يحول دون الحقوق الأساسية للشعوب.

ثم استطرد الميثاق في مواده في النص على الحقوق المدنية والسياسية (الماد من6 حتى 33) والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المواد من34حتى42) وقد نص الميثاق على آلية لتفعيل نصوصه وهي اللجنة العربية لحقوق الإنسان التي ينتخب أعضاؤها السبعة من الدول الأعضاء من ذوى الخبرة والكفاءة العالية ويعملون بصفتهم الشخصية بكل تجرد ونزاهة، وترفع تقريرا سنويا علنيا إلى مجلس الجامعة عن ملاحظاتها وتوصياتها عن التزام الدول بأحكام الميثاق. وهذا الميثاق في عمومة أفضل كثيراً من الميثاق السابق عليه سواء بالنسبة لمضمون الحقوق التي تناولها أو بالنسبة لآلية مراقبة تنفيذ نصوصه وإن لم يرتفع بالنظام العربي لحقوق الإنسان إلى مستوى التنظيم الدولي العالمي الذي يعمل بطريقة أكثر كفاءة وفعالية وسيكون لهذا موضوعا لحديث لاحق.

المصادر الوطنية :

ونعنى بها نصوص التشريع الوطني التي تنص على مبادئ حقوق الإنسان. وفي مقدمة هذه المصادر تأتى الدساتير الوطنية التي لا يخلو أي منها من فصل خاص بالحقوق والحريات الأساسية. وأهمية النص على حقوق الإنسان في الدستور الوطني أن هذه الحقوق تصبح ملزمة للمشرع والقاضي إعمالا لمبدأ المشروعية. ولكن هناك وسائل ابتدعها المشرع العربي لتمرير انتهاكات حقوق الإنسان سيأتي الحديث عنها في حينه.وتتوزع مبادئ حقوق الإنسان بين مختلف فروع التشريع العادي. فقانون العقوبات يضع النصوص العقابية التي تجرم انتهاكات حقوق الإنسان وتعاقب عليها. وقانون الإجراءات الجنائية يتضمن النصوص الخاصة بحقوق وضمانات المتهمين في مرحلة المحاكمة وما قبل المحاكمة.

وقانون السلطة القضائية وقوانين المرافعات والإجراءات تتضمن مبادئ استقلال القضاء وضمانات الحق في المحاكمة العادلة، وقوانين الأحزاب والمشاركة السياسية وغيرها تتضمن الحق في المشاركة السياسية، وقوانين الجمعيات تنظم حق تكوين الجمعيات، وقوانين الصحافة تنظم الحريات الصحفية وقوانين التعليم والإسكان والرعاية الصحية والنقابات تنظم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهلم جراً.

وليست التشريعات العادية متوافقة دائما مع المبادئ الدولية لحقوق الإنسان كما عبرت عنها المواثيق الدولية، بل كثيرا ما تكون غير ذلك. هنا نكون أمام انتهاك من الدولة لالتزامها الدولي فضلا عن شبهة مخالفة تشريعاتها لدستورها الوطني، وهذا ما سنتعرض له لاحقا.

مبادئ حقوق الإنسان بين العالمية والخصوصية:

يشير اصطلاح عالمية مبادئ حقوق الإنسان إلى كونها واجبة التطبيق في كافة المجتمعات الإنسانية بصرف النظر عن تمايزاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. وتنبع الطبيعة العالمية لمبادئ حقوق الإنسان من كونها حقوقا مترتبة على مجرد الصفة الإنسانية دون نظر إلى الجنس أو اللغة أو الدين أو العرق أو المعتقد.

هذه الصفة العالمية لمبادئ حقوق الإنسان أفصحت عنها بوضوح ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تقر هذه الحقوق "لما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم" كما أكدت عليها المادة الخامسة بكل من العهدين بقولها "ليس في هذا العهد أي حكم يمكن تأويله على نحو يفيد انطواءه على حق لأي دولة أو جماعة أو شخص بمباشرة أي نشاط أو القيام بأي عمل يهدف إلى إهدار أي من الحقوق أو الحريات المعترف بها في هذا العهد أو إلى فرض قيود عليها أوسع من تلك المنصوص عليها فيه".

ومفهوم هذا النص عدم جواز إهدار الحقوق والحريات تحت أي دعوى بما فيها دعوى الخصوصية الثقافية والاجتماعية. وهذا الحكم موجه إلى الدول والجماعات والأشخاص على قدم المساواة(5).

وقد أكدت المؤتمرات الدولية المعنية بحقوق الإنسان على مبدأ العالمية. من ذلك مؤتمر طهران الذي عقد في سنة 1968 ونص في وثيقته الختامية على "أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يمثل تفاهما تشترك فيه شعوب العالم على ما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من حقوق غير قابلة للتصرف والانتهاك" وبالمثل أكد الأمين العام للأمم المتحدة في كلمته الافتتاحية للمؤتمر العالمي لحقوق الإنسان (فيينا 1993) على عالمية مبادئ حقوق الإنسان باعتبارها ركيزة أساسية لفهم الأمم المتحدة لهذه الحقوق.

وقد تبنت الوثيقة الختامية للمؤتمر هذا المنحى.

ومن ناحية أخرى فمن غير المتصور إنكار وجود تمايزات ثقافية بين مختلف شعوب العالم، الأمر الذي يجعلها تتمتع بخصوصيات ثقافية لا سبيل لتجاوزها، خصوصيات تجد تجلياتها في اللغة والأدب والدين والتراث الفكري ومختلف صور المعارف والقيم والمعتقدات التي تميز شعوب العالم عن بعضها وتطبعها بطابع ثقافي وحضاري خاص. هذا التمايز وتلك الخصوصيات الثقافية والحضارية قد تؤكد في النهاية وتدعم منظومة مبادئ حقوق الإنسان العالمية، وقد تكون في بعض تجلياتها متعارضة مع تلك المبادئ ومتناقضة معها.

ومن المستقر عليه في أدبيات حقوق الإنسان أن الخصوصيات الثقافية التي تثرى المبادئ العالمية لحقوق الإنسان يجب التعامل معها بإيجابية باعتبارها رافدا مهما لتأكيد ثقافة حقوق الإنسان ونشرها، وأن التراث أو المعتقدات التي قد تبدو شبهة تعارض بينها وبين مبادئ حقوق الإنسان العالمية لابد من التعامل معها على أنها إرث تاريخي نسبى أنتجته الثقافة الاجتماعية محكومة بظروف تاريخية محددة.

ويدخل في ذلك تراث عدم المساواة الذي قد يوجد لدى بعض المعتقدات الآسيوية (الترج الاجتماعي في العقائد الهندوسية مثلا) والتأكيد على التفوق العنصري لشعب من الشعوب الذي قد يوجد في بعض النصوص الدينية وغير ذلك من الموروثات الثقافية التي لا يخلو منها إرث ثقافي لشعب من شعوب العالم. إن هذه الخصوصيات الثقافية المناقضة لمبادئ حقوق الإنسان العالمية يجب أخذها في الاعتبار كعوائق يجرى التعامل معها بحرص عند النظر في نفاذ مبادئ حقوق الإنسان العالمية في مجتمع من المجتمعات.

على أن الأمر لا يقتصر على هذا الجانب الثقافي لمسألة العالمية والخصوصية لحقوق الإنسان. فالجانب الأكبر لهذه القضية ذو طابع سياسي. فالدول الأكثر انتهاكا لمبادئ حقوق الإنسان لمواطنيها هي التي تتذرع بالخصوصية الثقافية لمجتمعاتها للتهرب من استحقاق التزامها بالمبادئ العالمية لحقوق الإنسان.

وقد أسفر هذا الطابع الذرائعي عن نفسه في المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان عندما انحازت أغلب الدول العربية والإسلامية ودول العالم الثالث إلى التأكيد على اعتبارات الخصوصية الثقافية في حين تمسكت دول أوروبا والولايات المتحدة بالتأكيد على الطابع العالمي لحقوق الإنسان.

ولا يخلو هذا التأكيد الأخير من الطابع الذرائعي بدوره. فعالمية مبادئ حقوق الإنسان هي التي تعطى للدول الكبرى ذريعة التدخل في الشئون الداخلية للدول الصغرى بطريقة انتقائية غالبا ولأسباب سياسية بحجة أن حقوق الإنسان العالمية تخرج عن أن تكون منحصرة في الشأن الداخلي للدولة الوطنية بحسبانها شأن عالمي يجيز التدخل ولو باستخدام العقوبات الاقتصادية والعسكرية تطبيقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

وهكذا يبدو أن الانتهازية السياسية من مختلف دول العالم أضاعت قضية حقوق الإنسان تحت شعارات العالمية والخصوصية. فباسم الخصوصية تنتهك حقوق المواطنين وباسم العالمية تنتهك سيادة الدول لأسباب سياسية بحتة.

والقول الفصل في هذه المسألة هو ما عبرت عنه المنظمات غير الحكومية على المستوى العربي والعالمي. فقد لاحظ المؤتمر العربي لحقوق الإنسان الذي عقد تمهيدا لعقد المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان بمبادرة من المنظمة العربية لحقوق الإنسان "إن قضية الخصوصية الحضارية كانت بمثابة كلمة الحق التي يراد بها الباطل.

فالخصوصية الحضارية مفهوم صحيح في ذاته وضروري لمواجهة التنـوع الاجتماعي والثقافى بين بلدان العالم وثقافاته المختلفة ولكن من المؤكد أنه استخدم بشكل نمطي ثابت من جانب النظم العربية للتحلل من التزامات قانونية وواجبات إنسانية .... وتفهم منظمات حقوق الإنسان قضية الخصوصية من منظور مختلف يبدأ من منطق أن الخصوصية لا ينبغى أن تقوض المبدأ العام وتشترط تدعيم المعايير الدولية لا الانتقاص منها وتشدد على القضايا الأكبر إلحاحا فى بلادنا وليس تجاوزها " (6).

ثانيًا القانون الدولي لحقوق الإنسان والقوانين الدولية الأخرى ذات الصلة

1- القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني :

كما أوضحنا سلفا يعنى القانون الدولي لحقوق الإنسان بحماية حقوق الإنسان بصفة عامة في أوقات السلم والحرب، في الظروف العادية وفي أوقات الكوارث والأزمات، في حين تقتصر الحماية التي يوفرها القانون الدولي الإنساني على حماية حقوق الإنسان وقت النزاعات المسلحة.

فالقانون الأول قانون عام وشامل لكافة أنواع الحقوق في كافة الظروف في حين أن القانون الثاني هو قانون خاص وضيق يسبغ الحماية على أنواع محددة من الحقوق في ظرف استثنائي خاص هو ظرف النزاعات المسلحة.

الناحية الفنية يعرف القانون الدولي الإنساني بأنه مجموعة المبادئ والقواعد المتفق عليها دوليا والتي تهدف إلى الحد من استخدام العنف في وقت النزاعـات المسلحـة عن طريق والثقافي بين بلدان العالم وثقافاته المختلفة ولكن من المؤكد أنه استخدم بشكل نمطي ثابت من جانب النظم العربية للتحلل من التزامات قانونية وواجبات إنسانية .... وتفهم منظمات حقوق الإنسان قضية الخصوصية من منظور مختلف يبدأ من منطق أن الخصوصية لا ينبغي أن تقوض المبدأ العام وتشترط تدعيم المعايير الدولية لا الانتقاص منها وتشدد على القضايا الأكبر إلحاحا في بلادنا وليس تجاوزها"(6).

حماية الأفراد المشتركين في العمليات الحربية أو الذين توقفوا عن المشاركة فيها والجرحى والمصابين والأسرى والمدنيين، وكذلك عن طريق جعل العنف في المعارك العسكرية مقتصرا على الأعمال الضرورية لتحقيـق الهدف العسكري(7). وتتمثل مصادر القانون الدولي الإنساني في فئات ثلاث.

أولها اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949: وهي اتفاقية تحسين حال الجرحى والمرضى في الميدان واتفاقية تحسين حال الجرحى والمرضى والغرقى في البحار واتفاقية معاملة أسرى الحرب واتفاقية حماية السكان المدنيين.

والفئة الثانية هي ما يطلق عليه قانون لاهاى ويشمل الاتفاقيات التي أسفرت عنها نتائج مؤتمرات الصلح عامي 1899 و1907 والتي ركزت أساسا على الوسائل المسموح بها أثناء العمليات الحربية. والفئة الثالثة تتمثل في الجهود المستمرة لمنظمة الأمم المتحدة لتأمين احترام حقوق الإنسان في أوقات النزاعات المسلحة والحد من استخدام بعض الأسلحة ذات طابع الإبادة الجماعي.

وإذا ما تفحصنا الحقوق الموضوعية التي تضمنتها اتفاقيات جنيف الأربعة فسنصل إلى نتيجة أن هذه الحقوق هي تطبيق لحقوق الإنسان العامة في ظروف خاصة هي ظروف الحرب والاحتلال.

فالاتفاقية الأولى التي تتعلق أحكامها بتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان تهدف إلى حماية الحق في الحياة للفئات المحمية فضلا عن حقهم في سلامة الجسم ضد التعذيب والإهمال الصحي العمدي (م12).

وتسبغ الاتفاقية الثانية نفس الحماية على الجرحى والمرضى والغرقى في الحرب البحرية، أي أنها تحمى الحق في الحياة وفي سلامة الجسم للأشخاص المشمولين بحمايتها.

وتهدف الاتفاقية الثالثة إلى ضمان حد أدنى من المعاملة الإنسانية لأسرى الحرب وهي في سبيل ذلك تقرر مجموعة من الحقوق للأسرى منذ بدء وقوعهم في الأسر مثل ضمانات الاستجواب ومصير متعلقاتهم الشخصية والإجلاء والنقل وظروف حياتهم في المعسكرات أو في حالة نقلهم من حيث أماكن الاعتقال وأساليبه والمأوى والغذاء والملبس والشروط الصحية والرعاية الطبية والحقوق والحريات الدينية والفكرية وعمل الأسرى ومواردهم المالية ومراسلاتهم ومواد الإغاثة التي ترد إليهم والعلاقة بين الأسرى والسلطات التي تعتقلهم هذا بالإضافة إلى كثير من الأحكام الهامة عن الأساليب المختلفة التي ينتهي بها الأسر والهيئات التي تعاون الأسرى وأحكام متنوعة أخرى. وواضح أن كثيرا من هذه الحقوق تعتبر تطبيقا للمبادئ العامة لحقوق الإنسان في حالة الأسرى فضلا عن بعض الحقوق الأخرى اللصيقة بحالة الأسر.

وتنظم الاتفاقية الرابعة حقوق المدنيين في وقت الحرب. وهذه الاتفاقية هي أقرب الاتفاقيات الأربعة من حيث موضوع الحماية المقررة فيها للقانون الدولي لحقوق الإنسان فهي اتفاقية تحمى حقوق الإنسان للسكان المدنيين في وقت الحرب والاحتلال. فتحظر هذه الاتفاقية الاعتداء على الحياة وعلى السلامة البدنية وتحظر التعذيب والتشويه والمعاملة القاسية وأخذ الرهائن والنفي والإبعاد والاعتداء على الكرامة الشخصية وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة والمعاملة التمييزية على أساس العنصر أو اللون أو الدين أو المعتقد أو غير ذلك وتحظر إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون حكم سابق تصدره محكمة مشكلة تشكيلا قانونيا تراعى فيها ضمانات المحاكمة العادلة.

هناك إذن وحدة في الهدف بين المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وبين اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 وهو تأمين احترام مختلف حقوق الإنسان وحرياته وإن تميزت الاتفاقيات الأخيرة بأنها تعمل على تأمين هذه الحقوق في ظروف النزاعات المسلحة. ويبدو هذا التميز في ظروف الحماية في أن اتفاقيات جنيف شملت بحمايتها فئات لم تكن محل اهتمام القانون الدولي التقليدي لحقوق الإنسان كالجرحى والغرقى والمدنيين تحتل الاحتلال نظرا لطبيعة الظ فارق آخر بين حقوق الإنسان العامة المقررة في المواثيق الدولية وحقوق الإنسان الخاصة المقررة بمقتضى اتفاقات جنيف هو أن الحقوق الأولى يجوز بشروط معينة التحلل من بعضها في ظروف الطوارئ أو الحروب أو الكوارث، في حين أن الحقوق الثانية لا يجوز التحلل منها مطلقا لأنها ما شرعت إلا لتنظيم الحقوق وقت الحرب.

وبيان ذلك أن المادة الرابعة من كل العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية نصت على حق الدول في التحلل من التزاماتها بمقتضى العهد في أوقات الطوارئ العامة التي تهدد حياة الأمة. ولا شك أن حالة الحرب تدخل في عداد تلك الطوارئ العامة التي تجيز التحلل دون النص عليها صراحة لأن الحرب والنزاعات المسلحة من أقصى حالات الطوارئ التي يترتب عليها التهديد الذي عنته المادة.

ومع ذلك فثمة حقوق لا يجوز التحلل منها حتى في حالة الطوارئ أو الحرب مثل الحق في الحياة والحق في سلامة الجسم من التعذيب وعدم رجعية القوانين الجنائية وتحريم الرق وغير ذلك.

ولكن هذه الرخصة التي تبيح التحلل من احترام المبادئ العامة لحقوق الإنسان بشروط وأوضاع معينة لا تنطبق على القانون الدولي الإنساني لأن هذا القانون يستهدف كما ذكرنا تأمين حقوق الإنسان في أقصى حالات الطوارئ وهي حالات الحرب والنزاعات المسلحة.

اللجنة الدولية للصليب الأحمر :

وهي اللجنة الدولية غير الحكومية المعنية بتطبيق واحترام ونشر الوعي بمبادئ القانون الدولي الإنساني. وقد نشأت اللجنة الدولية للصليب الأحمر كمبادرة سويسرية خاصة عـام1863(8) ويتسع عملها الآن على مستوى العالم أجمع. ولها مندوبون في نحو 60 بلدا بينما تمتد أنشطتها لتشمل أكثر من 80 بلدا ويعمل معها قرابة 12000 موظف من مواطني البلدان التي تعمل بها. ويوفر نحو 800 شخص الدعم والمساندة اللازمين لعمليات اللجنة انطلاقا من مقرها في سويسرا(9).

ويتمثل الوضع القانوني للجنة الدولية للصليب الأحمر في كونها منظمة غير حكومية مستقلة محايدة وغير متحيزة أسندت إليها الدول مهمة حماية ومساعدة ضحايا النزاع المسلح من خلال اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977 وهي الصكوك التي خلفت اتفاقية جنيف الأولى عام 1864.

ونتيجة للطبيعة الخاصة لمهمتها تتميز اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن المنظمات الحكومية كالأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية. وقد عقدت اللجنة مع غالبية الدول التي تعمل فيها اتفاقيات للمقر تتمتع بمقتضاها بالامتيازات والحصانات التي تمنح عـادة للمنظمات الحكومية الدولية وهي حصانات وامتيازات لا غنى عنها لكفالة استقلال المنظمة.

واللجنة الدولية للصليب الأحمر ليست طرفا في اتفاقيات جنيف والبروتوكولين الملحقين بها فهذه معاهدات مفتوحة لتصديق الدول فحسب وتقع مسئولية تنفيذها على الدول الأطراف(10). ومع ذلك تلعب اللجنة الدولية للصليب الأحمر ولجانها الوطنية دورا بالغ الأهمية في العمل على احترام القانون الدولي الإنساني ووقف انتهاكاته والتوعية بأحكامه بين مختلف الفئات المعنية.

والعلاقة بين اللجنة الدولية للصليب الأحمر منذ وجودها عام 1863 والقانون الدولي الإنساني علاقة وثيقة. وينص النظام الأساسي لحركة الصليب والهلال الأحمر الدولية كما ينص النظام الأساسي للجنة الدولية على أن المهمة الأساسية التي تتبناها هي العمل على "تطبيق القانون الدولي الإنساني بأمانة"، ومساعدة الضحايا المدنيين والعسكريين في النزاعات المسلحة والاضطرابات الداخلية على أساس من الحياد وعدم التحيز.

وتعترف اتفاقيات جنيف بالمهام الملقاة على حركة الصليب الأحمر، من قبيل ذلك المادة 9/9/9/10 المشتركة والمادة 3 المشتركة والمادة 81 من البروتوكول الأول، والمادة 18 من البروتوكول الثاني. وتقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بمهام المساعدة والحماية للأشخاص المشمولين بحماية القانون الدولي الإنساني عن طريق الاتصال الدائم بأطراف النزاع. وتعمل على لفت نظر السلطات المختصة عن حدوث أية انتهاكات كما تقوم بدور وقائي لتفادى وقوع الانتهاكات.

وفي سبيل تحقيق مهامها تقوم اللجنة بزيارة أسرى الحرب والمحتجزين المدنيين والبحث عن المفقودين ونقل الرسائل وتوفير الغذاء والمياه والمساعدة الطبية للمدنيين المحرومين من هذه الضروريات الأساسية وغير ذلك من وسائل المراقبة والمساعدة والإغاثة. ويسمح النظام الأساسي للجنة بتلقي الشكاوى حول انتهاكات القانون الدولي الإنساني. وتقوم اللجنة بالمساعي اللازمة لدى السلطات المعنية بشكل سرى. ويمكن لهذه المساعي أن تأخذ طابع العلنية بشروط معينة أهمها تكرار الانتهاك وعدم استجابة الدولة التي تمارس انتهاكاً بصورة متعمدة لمبادرتها.

وفي وقت السلم تقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بخدمات استشارية تهدف إلى نشر الوعي بأحكام القانون الدولي الإنساني بين مختلف القطاعات وخاصة رجال القوات المسلحة، ويتم ذلك من خلال المنشورات المتخصصة والندوات العلمية والبرامج التعليمية والتدريبية والإعلامية وبرامج التعاون مع الجمعيات الوطنية للهلال الأحمر والصليب الأحمر وكافة المؤسسات والجهات المعنية.

   

حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة

أنتبه, فتح في نافذة جديدة. صيغة PDFطباعةأرسل لصديقك

كتبها Administrator الأربعاء, 23 نوفمبر 2011 02:06

حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة


د. محمد يوسف علوان*

كلما تعمقنا في القانون الدولي الإنساني كلما وجدنا أن هناك شوطاً كبيراً يفصلنا عن الحماية المتكاملة لكرامة الإنسان، لذا ارتأى الاختصاصيون إنشاء محكمة جنائية دولية لتكون جزء لا يتجزأ من القانون الدولي الإنساني ولتكون القوة الدافعة للحد من انتهاكاته، لقد نصت ديباجة نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بأنها إذ تدرك أن ثمة روابط مشتركة توحد جميع الشعوب وأن ثقافات الشعوب تشكل معاً تراثاً مشتركاً وإذ تضع في اعتبارها أن ملايين الأطفال والنساء والرجال قد وقعوا خلال القرن الحالي ضحايا فظائع لا يمكن تصورها هزت ضمير الإنسانية بقوة، وإذ تسلم بأن هذه الجرائم الخطيرة تهدد السلم والأمن والرفاه في العالم، وإذ تؤكد أن أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي يجب أن لا تمر دون عقاب.. فقد وضعت حداً لمرتكبي الجرائم كما عقدت العزم أيضاً على إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة مستقلة.

الفصل الأول: تعريف المدني

البحث الأول: التمييز بين المدنيين والمقاتلين

القواعد الأساسية:

*القاعدة (1) الأولى: على كل طرف في النزاع أن يُفرق في جميع الأحوال بين المدنيين والمقاتلين، والمقاتلون فقط يمكن أن يكونوا هدفاً للهجوم، أما السكان المدنيون فلا يجوز أن يكونوا محلاً للهجوم.

*القاعدة (2): تحظر أعمال العنف والتهديد الرامية إلى بث الذعر في صفوف السكان المدنيين.

قواعد خاصة بالنزاعات المسلحة الدولية فقط:

*القاعدة (3): كافة أفراد القوات المسلحة لأطراف النزاع هم مقاتلون عدا أفراد الخدمات الطبية والوعاظ.

*القاعدة (4): تكون القوات المسلحة لطرف في النزاع من المجموعات النظامية التي تكون تحت قيادة مسؤولة عن سلوك مرؤوسيها، وتخضع لنظام داخلي يكفل فيها يكفل تنفيذ القانون الدولي الإنساني.

*القاعدة (5): المدنيون هم الأشخاص الذين ليسوا أفراداً في القوات المسلحة.

*القاعدة (6): يفقد المدنيون حمايتهم من الهجوم حينما يقومون بدور مباشر في الأعمال العدائية وعلى مدى الوقت الذي يقومون خلاله بهذا الدور.

*القاعدة (7): الأشخاص الذين يشتركون بصفة مباشرة في الأعمال العدائية يعتبرون مقاتلين يمكن أن يكونوا محلاً للهجوم أما الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية فهم يعدون مدنيين محميين من الهجوم.

الأشخاص العاملون في عمليات حفظ السلام:

*القاعدة (8): الأشخاص العاملون في مهمات حفظ السلام عملاً بميثاق الأمم المتحدة يعدون مدنيين طالما لم يشاركوا بشكل مباشر في الأعمال العدائية.

الصحفيون المدنيون:

*القاعدة (9): الصحفيون المدنيون الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق النزاعات المسلحة يجب احترامهم وحمايتهم طالما أنهم لا يقوموا بدور مباشر في الأعمال العدائية.

المبحث الثاني: التمييز بين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية

القاعدة الأساسية:

*القاعدة (10): على كل طرف في النزاع أن يميز في كل الأوقات بين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية والأهداف العسكرية فقط هي التي يمكن أن تكون محلاً للهجوم، أما الأعيان المدنية فلا يجوز أن تكون محلاً للهجوم.

تعريفات

*القاعدة (11): تنحصر الأهداف العسكرية بالأهداف التي تسهم مساهمة فعالة في العمل العسكري سواءً كان ذلك بطبيعتها أم بموقعها أو بغايتها أم باستخدامها والتي يحقق تدميرها التام أو الجزئي أو الاستيلاء عليها أو تعطيلها في الظروف السائدة حينذاك ميزة عسكرية أكيدة.

*القاعدة (12): الأعيان المدنية هي كافة الأعيان التي ليست أهدافاً عسكرية.

فقدان الحماية:

*القاعدة (13): تفقد الأعيان المدنية الحماية من الهجوم حينما تصبح أهدافاً عسكرية.

المبحث الثالث: الهجمات العشوائية

قاعدة أساسية:

*القاعدة (14): الهجمات العشوائية محظورة.

*القاعدة (15): تعتبر هجمات عشوائية:

1- تلك التي توجه إلى هدف عسكري محدد.

2- تلك التي تستخدم طريقة أو وسيلة للقتال لا يمكن أن توجه إلى هدف عسكري محدد.

3- تلك التي تستخدم طريقة أو وسيلة للقتال لا يمكن حصر آثارها على النحو الذي يتطلبه القانون الدولي الإنساني.

المبحث الرابع: التناسب في الهجوم

*القاعدة (16): يحظر توجيه هجوم يمكن أن يتوقع منه أن يسبب خسارة في أرواح المدنيين أو إصابة بهم أو أضراراً بالأعيان المدنية، أو أن يحدث خلطاً من هذه الخسائر أو الأضرار، يفرط في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه ذلك الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة.

المبحث الخامس: الاحتياطات أثناء الهجوم

قاعدة أساسية:

*القاعدة (17): تبذل رعاية متواصلة في إدارة العمليات العسكرية من أجل تفادي السكان المدنيين والأشخاص والأعيان المدنية لمخاطر النزاع المسلح، كما أن جميع الاحتياطات الممكنة يجب أن تتخذ لتفادي، وفي كل الأحوال لتقليل الخسائر في أرواح المدنيين أو إلحاق الإصابة بهم.

قاعدة خاصة:

*القاعدة (18): على كل طرف في النزاع أن يتخذ الاحتياطات الممكنة عند تخير وسائل وأساليب الهجوم من أجل تجنب إحداث خسائر في أرواح المدنيين، أو إلحاق الإصابة بهم أو الإضرار بالأعيان المدنية، وذلك بصفة عرضية، وعلى أي الأحوال حصر ذلك في أضيق نطاق.

*القاعدة (19): على كل طرف في النزاع أن يبذل ما في وسعه عملياً للتحقق من أن الأهداف المقرر مهاجمتها ليست أشخاصاً مدنيين أو أعيان مدنية وأنها غير مشمولة بحماية خاصة.

*القاعدة (20): على كل طرف في النزاع أن يفعل كل شيء ممكن لإلغاء أو تعليق الهجوم إذا تبين أن:

1- الهدف ليس هدفاً عسكرياً.

2- أو أنه مشمولة بحماية خاصة.

3- أو أن الهجوم قد يتوقع منه أن يُحدث خسائر في أرواح المدنيين أو إلحاق الإصابة بهم، أو الإضرار بالأعيان المدنية، أو أن يحدث خلطاً من هذه الخسائر والأضرار، وذلك بصفة عرضية، تفرط في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه ذلك الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة.

*القاعدة (21): على كل طرف في النزاع أن يوجه إنذاراً مسبقاً وبوسائل مجدية في حالة الهجمات التي قد تمس السكان المدنيين، ما لم تحل الظروف دون ذلك.

المبحث السادس: الاحتياطات ضد آثار الهجوم

قاعدة أساسية:

*القاعدة (22): على كل طرف في النزاع اتخاذ الاحتياطات الممكنة لحماية السكان المدنيين والأهداف المدنية الذين هم تحت سيطرتها من آثار الهجوم.

قواعد خاصة

*القاعدة (23): على كل طرف في النزاع، قدر المستطاع تجنب إقامة أهداف عسكرية داخل المناطق المكتظة بالسكان أو بالقرب منها أو بالقرب من الأهداف ذات الحماية الخاصة.

*القاعدة (24): على كل طرف في النزاع، قدر المستطاع نقل ما تحت سيطرته من سكان مدنيين وأفراد مدنيين وأعيان مدنية بعيداً عن المناطق المجاورة للأهداف العسكرية.

الفصل الثاني: معاملة المدنيين

(والمقاتلين الذين كفوا عن القتال أو لم يعودوا قادرين على القتال).

المبحث الأول والوحيد

الضمانات الأساسية:

*القاعدة (1): يحظر حرمان أحد من حياته تعسفاً، ويجب احترام حياة المدني الذي يقع في قبضة الخصم وحياة أي مقاتل كيف عن القتال أو لم يعد قادراً على القتال.

*القاعدة (2): يحظر التمييز في تطبيق القانون الدولي الإنساني على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو الآراء السياسية أو غيرها من الآراء أو الانتماء القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر أو على أساس أي معايير أخرى مماثلة.

*القاعدة (3): يجب معاملة أي مدني وأي مقاتل كف عن القتال أو لم يعد قادراً على القتال بإنسانية.

*القاعدة (4): يحظر التعذيب والمعاملة المهينة أو اللاإنسانية والعقوبات المهينة أو اللاإنسانية.

*القاعدة (5): لا يجوز تعريض الصحة الجسدية أو العقلية للمدنيين والمقاتلين الذين كفوا عن القتال أو لم يعودوا قادرين على القتال للخطر عن طريق أي تصرف أو تقصير لا مبرر له، ولا يجوز إخضاعهم - ولو برضاهم - للتشويه أو للتجارب الطبية أو لأي إجراء طبي لا تقتضيه حالتهم الصحية ولا يتفق مع المعايير الطبية المقبولة عموما.

*القاعدة (6): العنف الجنسي محظور.

*القاعدة (7): العبودية والعمل الجبري محظوران.

*القاعدة (8): أخذ الرهائن والعمل الجبري محظوران.

*القاعدة (9): يحظر استخدام المدنيين والمقاتلين الذين كفوا عن القتال أو لم يعودوا قادرين على القتال للتستر على عمليات عسكرية.

*القاعدة (10): الاختفاء القسري محظور.

*القاعدة (11): الحرمان التعسفي من الحرية محظور.

*القاعدة (12): لا يجوز إصدار أي حكم أو تنفيذ أي عقوبة حيال أي شخص تثبت إدانته في جريمة مرتبطة بالنزاع المسلح إلا بناءً على محاكمة عادلة توفر الضمانات القضائية الأساسية.

*القاعدة (13): لا يجوز أن يتهم أي شخص أو يُدان بجريمة على أساس إيتانه فعلاً أو تقصيراً لم يكن يشكل جريمة طبقاً للقانون الوطني أو القانون الدولي الذي كان يخضع له وقت اقترافه للفعل، كما لا يجوز توقيع أية عقوبة أشد من العقوبة السارية وقت ارتكاب الجريمة.

*القاعدة (14): لا يُدان شخص بجريمة إلا على أساس المسؤولية الجنائية الفردية، والعقوبة الجماعية محظورة.

*القاعدة (15): لكل شخص الحق في احترام دينه ومعتقداته الشخصية، ومن حقه ممارسة شعائره الدينية ومعتقداته بشرط عدم تعارض ذلك مع السلامة العامة والنظام العام وحقوق وحريات الآخرين.

*القاعدة (16): تحمى الحياة العائلية من أي تدخل تعسفي، ويحافظ قدر الإمكان على وحدة العائلة أو إعادة لم شملها، وعلى السلطات إعلام العائلات عن مصير وعن مكان وجود أفراد عائلاتهم في حال توفر هذه المعلومات، وفي حال عدم توفرها فعليها أن تبذل أقصى الجهود لمعرفة هذا المصير وإعلام العائلات به.

*أستاذ القانون الدولي - جامعة اليرموك



 

محي الدين عيسو : النظام السوري وخياراته الضيقة

أنتبه, فتح في نافذة جديدة. صيغة PDFطباعةأرسل لصديقك

كتبها Administrator الأربعاء, 23 نوفمبر 2011 01:40

محي الدين عيسو : النظام السوري وخياراته الضيقة




مع دخول الثورة السورية شهرها  التاسع، وانعدام الحيلة أمام النظام السوري لإيجاد حل سياسي للأزمة التي تمر بها البلاد، ودخول أطراف عديدة عربية ودولية على حلبة الصراع السياسي يجد المواطن السوري نفسه أمام خيارات متعددة لأطراف تحاول إيجاد بدائل مرحب بها من قبل شريحة واسعة من الشارع السوري المتظاهر الذي يعاني من القتل المباشر والاعتقال التعسفي والتعذيب حتى الموت داخل الأقبية الأمنية. وهي مرفوضة من قبل شرائح أخرى تبحث عن الأمن والأمان.

إلى هذه اللحظة لم يتوقف النظام، الذي يحكم البلاد منذ قرابة خمسة عقود من الزمن، عن نهجه القمعي في التعامل مع مواطنين يطالبون بالحرية والكرامة، وإنهاء حكم الاستبداد، والحزب الواحد، بالرغم من المبادرة العربية التي طرحت في جامعة الدول العربية، وأمهلت النظام السوري مدة خمسة عشر يوما ليتوقف عن قتل المواطنين والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، ومن ثم الجلوس على طاولة الحوار مع المعارضة، إلا أنه وكما توقع الكثير من المراقبين لم يستجب النظام الحاكم إلى كل النداءات المحلية والعربية والدولية لوقف العنف والرضوخ للمبادرة العربية، مستمرا في نهجه المتعالي على الداخل والخارج، محاولا كسب المزيد من الوقت لكسر شوكة ثوار الداخل، والقضاء على الانتفاضة الشعبية التي تتسع رقعتها الجغرافية يوما بعد آخر.

لا يخفى عن أي متابع للشأن السوري حالة الاحتقان الطائفي التي تعيشها بعض المدن السورية، وازدياد حالات القتل والاختطاف على الهوية الطائفية بخاصة في مدينة حمص، والتي ربما تؤدي بالبلاد إلى حرب طائفية إن لم يتدخل العقلاء ويسارعوا إلى تشكيل وفود سياسية واجتماعية من كل الطوائف من أجل تهدئة النفوس، وزرع بذور الثقة بين الأطراف المتصارعة، وقد تحسست المعارضة السورية لخطورة الوضع الطائفي في البلاد، فما كان من رئيس المجلس الوطني السوري المعارض الدكتور برهان غليون إلا أن أصدر باسمه الشخصي نداءً تحت عنوان (نداء لرفض الفتنة والاقتتال الطائفي) يحذر فيه من الانجرار إلى الحرب الأهلية، والذي أكد فيه على أنه "أصبحنا نشهد منذ أسابيع عمليات خطف واغتيال وتصفية حسابات بين أبناء الشعب الواحد، بل بين أبناء الثورة أنفسهم. وهو ما يشكل تهديدا خطيرا لمكاسب الثورة ويقدم خدمة كبرى لنظام القتل والاستبداد الذي يترصد بنا ويؤخر الانتصار".

من المؤكد أنّ الشارع السوري المتظاهر والمنتفض لن يتراجع خطوة واحد إلى الخلف، ولن يعود إلى ما قبل خطوط الخامس عشر من آذار، خاصة بعد أن قدم قرابة الأربعة آلاف شهيد، وآلاف الجرحى،  وأكثر من عشرين ألف معتقل. لذا فالنظام السوري أمام خيارين لا ثالث لهما أحلاهما مرُ بالنسبة لأهل الحكم.

الخيار الأول : القبول بالمبادرة العربية، وبالتالي السماح للمراقبين والمنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام المستقلة بالدخول إلى الأراضي السورية، وزيارة مناطق التوتر التي لم تستطع القوات الحكومية حتى هذه اللحظة إخماد الثورة فيها مما سيؤدي حتما إلى زيادة أعداد المتظاهرين، وربما الاعتصام المفتوح في الساحات العامة كما حصل في كل من حماه ودير الزور قبل دخول فرق الجيش بكامل عدتها وعتادها إلى هاتين المدينتين  المنتفضتين عن بكرة أبيها، ولن يكون بمقدور الجيش والأجهزة الأمنية أطلاق النار على المواطنين أو اعتقال المحتجين أو قمعهم هذه من جهة، ومن جهة أخرى ستنكشف رواية أكذوبة الإعلام المحلي التابع للسلطة حول وجود العصابات المسلحة أو الإرهابيين بين المتظاهرين، وفي هذا الخيار لن ترضى المعارضة السورية سواء في الدخل أو الخارج بأقل من الجلوس على طاولة المفاوضات من أجل الانتقال السلمي للسلطة من دولة الاستبداد إلى دولة مدنية ديمقراطية تعددية وبالتالي إسقاط النظام بطريقة سلمية سلسة تكون تكلفتها البشرية والمادية أقل بكثير من الخيار الثاني.

أما ثاني هذه الخيارات المحتملة هي قضية التدويل والداخل العسكري الخارجي التي تطالب بها أغلبية معارضة الخارج وترفضها أغلبية معارضة الداخل، وهذه النقطة هي الوحيدة التي لا تتفق عليها كلتا المعارضتين، وقد تعالت في الآونة الأخيرة، خاصة مع زيادة القمع وازدياد أعداد القتلى من المدنيين، الأصوات المطالبة بالتدخل الخارجي، التركي على وجه التحديد. هذا ما قاله زعيم جماعة الإخوان المسلمين في سورية محمد رياض الشقفة في مؤتمر صحفي بتركيا "إن السوريين يقبلون بتدخل عسكري تركي في بلادهم بدلا من التدخل الغربي، لحماية الشعب من القوات الحكومية في حال استجدت الحاجة إلى تدخل عسكري، كالحماية الجوية مثلا، فالشعب السوري سيقبل بالتدخل التركي".

وكذلك فإن أحد ممثلي المجلس الوطني السوري قد طلب من الحكومة التركية وضع خطط لإقامة منطقة حظر جوي عازلة بحماية القوات الجوية التركية وبعمق بضعة كيلومترات داخل الأراضي السورية

ومع أنّ الخيار الثاني سيؤدي إلى حتمية سقوط النظام إلا أن نتائجه ستكون كارثية على الشعب السوري وعلى دول الجوار برمتها، وربما تؤدي إلى تدخل أطراف أخرى كإيران وحزب الله اللبناني إلى جانب النظام السوري، ولن يستطيع الشعب السوري التخلص من تراكمات وآثار هذا التدخل الخارجي لعشرات السنين، إضافة إلى زيادة الأعباء الاقتصادية التي سترهق المواطن السوري مستقبلاً

مع استخدام النظام السوري كافة الوسائل المتاحة بين يديه لإزالة مفردة الحرية من مخيلة المواطن السوري الطامح لبناء دولة مدنية ديمقراطية خالية من الاستبداد والقمع، إلا أنه لم يستطع وقف امتداد المظاهرات الاحتجاجية إلى أغلبية المدن والقرى السورية، والحد من طموحات الشارع السوري المنتفض، برجاله ونسائه

لم يبقى أمام النظام السوري سوى الخيارين أعلاه، والأيام القادمة كفيلة بإثبات مدى جدية النظام لاختيار الطريق الأسلم، والأكثر انسجاما مع واقع مكونات المجتمع السوري الذي تنفّس الحرية وتجرع المرارة لأكثر من ثمانية أشهر.

www.manaraat.com

موقع  منارات

   

صفحة7 من 23