المرأة السورية في دستور المستقبل

أنتبه, فتح في نافذة جديدة. صيغة PDFطباعةأرسل لصديقك

المرأة السورية في دستور المستقبل

 

 

ليست المرأة السورية بأسوأ أحوالها كما في بعض البلدان العربية، إلا أنها ما زالت تسير على درب طويل للحصول على كامل حقوقها المدنية التي اجتزأتها في كثير من الحالات القوانين السورية.
وفي خضم العمل على صياغة دستور جديد لسورية يتوقع منه المضي بالبلاد إلى مستقبل جديد تتطابق فيه المسافة الفاصلة بين القوانين النافذة وبين المواطنين الذين يخضعون لها، فلعل العمل على رفع الحيف الذي تكرسه بعض النصوص الجائرة بحق المرأة، بات أمرا ملحا لم يعد بالإمكان تجاوزه أو تأجيله في بنيان ديمقراطي مدني قادم.
وترى الدكتورة كندة الشماط الأستاذة في كلية الحقوق بجامعة دمشق وعضو لجنة صياغة الدستور الجديد، أن مشاركة المرأة في وضع الدستور وسن القوانين واجب وطني وحق إنساني ويعد أحد أهم حقوق المواطنة وحقوق الإنسان.
وتبين الشماط أن المرأة تستبعد في العديد من الدول عن المشاركة في صياغة الدستور على عكس ما نراه على أرض الواقع في سورية التي تسعى وبشكل دائم لإزالة جميع أشكال التمييز في المجتمع منها ما يتعلق بالتمييز ضد المرأة.
وأشارت الشماط إلى أن «العضوات» الثلاث في لجنة صياغة الدستور لا يمثلن تياراً واحداً، فمنهن البعثية والقومية السورية إضافة إلى المستقلة، ما يكرس تمثيلاً رائداً للمرأة بكل تياراتها واتجاهاتها.
وأضافت الشماط: شاركت المرأة السورية بصياغة العديد من القوانين في لجان مرحلة التطوير والتحديث منها لجنة الأحزاب ولجنة الإعلام، مشيرة إلى أنه «فيما يخص الدستور الحالي، فلن تقتصر المشاركة على جانب دون آخر إنما ستكون شاملة منها السياسي والاقتصادي والحريات، من هذا المنطلق يجب ألا نستهين بما وصلت إليه اليوم المرأة السورية من تحقيق مكاسب كبيرة».

أهمية المشاركة
الدكتورة أمل اليازجي الأستاذة في كلية الحقوق بجامعة دمشق وعضو لجنة إعادة صياغة الدستور رفضت الحديث عن مشاركة المرأة في صياغة الدستور تبعا للنوع، فالمسألة بنظرها لا تتعلق بالجنس بقدر تعلقها بأفكار الشخص نفسه.
واعتبرت اليازجي أن للمرأة رؤى وأبعاداً تختلف عن رؤى الرجال، فهي ترى الأشياء بمنظور مختلف، يشكل اجتماعهما رؤية أشمل بما يصب في مصلحة المجتمع والوصول إلى أفضل نص يعكس حقيقة السوريين وليس حقيقة الأشخاص.
ويقول الدكتور محمد خير العكام الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة دمشق وعضو لجنة إعادة صياغة الدستور أن مشاركة المرأة في لجنة صياغة القانون إنما تؤكد حقيقة مساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات، مضيفاً بالقول: علينا ألا نعتبر هذا انتصاراً للمرأة أو حقاً انتزعته من الرجل إنما هي عملية تكاملية، ومن الناحية القانونية لا توجد أي قيود تشريعية تحد من ممارسة المرأة لكافة حقوقها والتزاماتها، أما ما يفرضه السياق العام للحياة وطريقة تفكير المجتمع السوري فلا يمكن فرضها على أحد، فلكل فرد الحق في أن يعيش كما يريد، وهناك بعض النسوة اللواتي يفضلن الانكفاء عن الحياة العامة والبقاء في إطار بيوتهن ليكنّ أمهات ومربيات وهن حرّات فيما يخترن.
ويؤكد الأستاذ بسام القاضي مدير مرصد نساء سورية، أن مشاركة المرأة في لجنة إعادة صياغة القانون كامرأة بالمعنى الجسدي هو أمر مهم يؤكد أن النساء قادرات على القيام بشيء، ومن حيث الصورة وجود النساء بكل أماكن العمل والأماكن الاعتبارية مفيد من دون شك للتخلص من الصورة النمطية التي تعتبر المرأة عاطفية لا تستطيع التفكير في إطار عام.
ويتابع القاضي: لا يحوي الدستور السوري أي مادة تقول إن النساء والرجال متساوون في الحقوق والواجبات، لذلك فإن إدراج مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة أمر ضروري ينبغي تضمينه في الدستور، فالعديد من البلدان لا تحوي مثل هذه القوانين في دستورها لأنها لا تعاني المشاكل التي نعانيها وليس لديها مشكلة اللغة العربية، فاللغة العربية في بلادنا لغة مجنسة، يقال إن المقصود من المادة بصياغتها الحالية أن تكون عامة لأن الأصل في اللغة العربية هو استخدام ضمير الذكور وهو يعني ضمنيا الاثنين «وهو ما أعتقد شخصيا أنه هراء».  ويضيف القاضي: هناك أربع مواد تتعلق بدعم الدولة لعمل المرأة واحترامها، إذا لم يكن هناك فرق بين المرأة والرجل في الدستور كما يقول البعض فلماذا يخصص ثلاث مواد للمرأة.
المادة الثالثة أيضاً فيها تمييز ديني والتمييز الديني يؤدي لتمييز جنسي فهل ستتجرأ «العضوات» الثلاث على إلغاء هذه القوانين. إن وجودهن الجسدي لا يقرر شيئاً ما لم ينعكس هذا الوجود في اقتراح إلغاء بعض مواد الدستور وتثبيت مادة واضحة وصريحة تؤكد أن النساء والرجال متساوون في الحقوق والواجبات، وتثبيت هذا البند هو الوحيد الذي يجعل لوجود المرأة قيمة.
النقطة الأخرى الذي يعتبرها القاضي مهمة تتعلق بآلية صنع القرار في سورية معتبراً بأنها «غير ديمقراطية» ما يعني بأن المشاركة النسائية لن تكون فعالة في الحياة السياسية بأي شكل من الأشكال، إذا لم تتم عملية صياغة الدستور الجديد وعمليات الإصلاح القانوني على أساس المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة ستكون مشكلة كبيرة.

معوقات التطور المرحلية
وجود بعض القوانين التمييزية من المعوقات التي تحول دون وصول المرأة للمستوى المطلوب بحسب الدكتورة الشماط، مضيفة: خاصة قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات الذي يميز بين المرأة والرجل في قضايا جرائم الزنى من حيث العقوبة وما يترتب على ذلك من قضايا كثيرة.
وأشارت الشماط أيضاً إلى رزمة من النصوص التي تغبن المرأة حقها كقانون الجنسية حيث لا تستطيع منح جنسيتها لأولادها إلا ضمن شروط محدودة جدا، كما تحتاج إلى ولي عليها أو وصي على أبنائها ولا تستطيع إدارة أموال أولادها بنفسها، إضافة إلى مسألة الطلاق التعسفي وما ينجم عنها... كل هذه المواضيع تحتاج إلى حراك شعبي وإجماع على تغيير هذه القوانين.
أما على صعيد الحركة النسائية فلا يزال هناك ضعف ناتج من ضعف التنسيق والابتعاد عن جوهر الموضوع وضعف التواصل بين المجتمع الأهلي وبين الجهات الحكومية المعنية بقضايا المرأة، وأكدت الشماط أهمية التشاركية بين جميع الجمعيات المعنية بشؤون المرأة وضرورة العمل وفق برامج متقاربة ووجود أسس واضحة يمارس على أثرها المجتمع الأهلي الرقابة على الجهات الحكومية فيما يتعلق بقضايا المرأة، والأهم من كل ذلك وجود إستراتيجية واضحة للعمل وفقها وتحديد سلم للأولويات والعمل للحفاظ على الاستحقاقات وتحقيق منجزات نحو الأفضل.
الدكتور العكام يشير في هذا الجانب إلى عدم وجود أي عوائق في القانون السوري يحد من حرية المرأة وبالتالي يقع الدور على عاتق المرأة في التفكير بتطوير ذاتها، ويجب الابتعاد عن منطق أن المرأة مضطهدة لأنه لا مكان في المجتمع السوري لأي فوارق ومجرد التفكير بكيفية حماية مصالح المرأة هو تفتيت لبنية المجتمع، الرجل والمرأة كل منهما يكمل الآخر ولكل منهما دوره في المجتمع عليه أن يمارس هذا الدور بالشكل الذي يراه مناسبا له.
ويضيف العكام: لا أستطيع أن أفرض على المرأة أن تعمل لكنه حق كرسه الدستور، ولا يوجد أي قانون يجبرها على الزواج، والقانون لم يفرق بين المرأة والرجل في حق التعليم، إذا القانون أنصف المرأة وفكر بالمسألة التكاملية لكنه وضع ضوابط.
ويعتقد العكام أن سورية أعطت المرأة مكانة سامية أكثر من المجتمعات الغربية، متسائلاً: عندما يعطى للمرأة حق النفقة سواء كانت تعمل أم لا نفقة المرأة على زوجها أو وليها أليس هذا تكريما للمرأة؟.. وفي قانون الأحوال الشخصية لا بد من موافقة ولي الأمر على زواجها أليس هذا تكريما للمرأة؟.. مبيناً أن المرأة هي المسؤولة عن تغيير واقعها نحو الأفضل.
من جانبه يرى القاضي أن حركات التحرر النسائية إما أصبحت تابعة لمؤسسات حزبية مثل الاتحاد النسائي، أو تحولت لتجارة حقوق المرأة، مبيناً بأن المسؤولية لا تقع على عاتق الحكومة وحدها، فمنذ عام 2000 كان هناك مجال لتطور حركة المرأة، لكننا لم نلاحظ أي نشاط مميز لأن الفساد ناخر في نقابات الاتحاد النسائي وانحصرت المسألة في البيروقراطية ولم يعد لها أي علاقة بالمرأة.
وأوضح القاضي أن هناك منظمات نسائية تابعة لأحزاب منها - رابطة النساء السوريات- التابعة للحزب الشيوعي، وهناك أيضاً جمعية «تطوير دور المرأة» و«لجنة دعم قضايا المرأة»، مشيراً إلى أن المساواة الحقيقية في المجتمع ما زالت تحتاج إلى تطوير ومساندة ودعم لأنه وعلى الرغم من وصول المرأة إلى مراتب عليا في المجتمع، إلا أن مشاركتها الحقيقية مازالت غير مقبولة على أرض الواقع لاصطدامها بالموروث الثقافي الذكوري.

مهام مرحلية
من الأهمية بمكان التوجه في المرحلة المقبلة لكافة أفراد المجتمع السوري وعدم الاقتصار على العنصر النسائي فقط لأنه لا تزال هناك عادات وتقاليد تفرض نفسها بقوة على الواقع، بحسب الدكتورة الشماط، مبينة بأن ما تحتاجه المرأة ليس تعديل القوانين فقط، وإنما إلى فكر جديد يتلاءم مع متطلبات المرحلة وضرورة التوجه لجميع الجهات المعنية في المجتمع، إلى جانب نص دستوري يحوي في طياته المساواة بين المواطنين في القانون وليس أمام القانون، بناء على المكتسبات السابقة.
وختمت الشماط بالقول: أكثر ما سنسعى إليه في مرحلة ما بعد الدستور هو العمل على كيفية إيصال نساء متمكنات إلى مجلس الشعب والإدارة المحلية، إضافة إلى دعم وجود المرأة في كل قطاعات الحياة وأكثر ما نحتاج إليه هو رفع الوعي بالقضايا المتعلقة بشؤون المرأة، متوقعة أن تنجح النساء «العضوات» في لجنة صياغة الدستور في تحقيق مكاسب إضافية للمرأة، ودفع نحو الأمام للخروج من دائرة الأفكار الضيقة السلبية التي ما زالت تطرح في المجتمع السوري.


الوطن أونلاين
22/11/2011