المشروع النهضوي العربي"ووعي الديمقراطية"
آخر تحديث الأحد, 08 أغسطس 2010 21:35 كتبها Administrator الأحد, 08 أغسطس 2010 21:31
والتركيز على الديمقراطية وإعلاء شأنها في "المشروع" يعتبر الإضافة الأهم والحقيقية في الرؤية القومية المعاصرة، والأولوية التي تُمنح لها يجب أن تُرى فعلا بكونها نقلة كبيرة في تفكير القوميين. ونستشعر ذلك من خلال التوقف المعمق عند المسألة الديمقراطية وتخصيص فصل كامل لها، بخلاف الإشارات العابرة والخجولة التي كانت تتصف بها مقاربات القوميين للمسألة الديمقراطية خاصة وأن نظم التجارب والنظم القومية التي سيطرت على بعض الدول العربية اتسمت بالاستبداد والدكتاتورية.
ومن المفيد والإنصاف هنا اقتباس ما يعكس النظرة الجديدة والمُرحب بها والتي يوردها النص بالقول: "إذا كان للمشروع النهضوي العربي الجديد، ما يميزه من سواه، من مشاريع النهضة التي سبقته، منذ القرن التاسع عشر، فهو في مضمونه الديمقراطي الذي يقوم عليه، أي في حسبانه الديمقراطية ركنا مكينا من أركان النهضة، ورافعة من رافعاتها. كان يمكن القول في ما مضى، إن النهضة تتحقق بمقدار ما ينجح مجتمع أو أمة في إنجاز التصنيع، ونشر التعليم، وبناء الجيش الحديث، وتعظيم الثروة. وقد يصح ذلك إلى حد بعيد. لكن الذي ثبت بالدليل التاريخي أن الطريق إلى ذلك كله هي الديمقراطية بما هي النظام الذي يحرر مواطنيه من العبودية السياسية والخوف، ويطلق الطاقات الاجتماعية للإنتاج والإبداع والتنافس وتحقيق التراكم: المادي والمعنوي، ويعزز اللحمة الوطنية والقومية استنادا إلى رابطة المواطنة".
يقطع هذا النص مع تقاليد قوميي ويساريي عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات الذين لم يروا في أية مركزية في الديمقراطية ترقيها كي تكون شرطا من شروط مشروع النهضة، أو أولوية ضاغطة أمام ما رأوه أولويات ومعارك أهم: المعركة مع إسرائيل، المعركة ضد الإمبريالية، الوحدة العربية، الاشتراكية، وهكذا.
يرى النص النهضوي القومي الجديد أن "الديمقراطية ضرورة تاريخية وسياسية" بمعان ثلاث هي كونها حقا عاما للشعب والأمة، والوسيلة الأمثل لإطلاق طاقات المجتمع والشعب، والقاعدة التي تُبنى عليها العلاقة بين الدولة والمجتمع في المجتمعات الحديثة، ويفصل في كل من هذه المعاني الثلاث تفصيلا يؤكد جدة النظرة القومية إزاء المسألة الديمقراطية. لكن يجب أن يُضاف معنى رابعا وأساسيا إلى معاني الديمقراطية ومراميها هنا وهو كونها الوسيلة الوحيدة التي تروض الصراعات والتنافسات السياسية وتدجن تناقض المصالح داخل أي مجتمع عبر الإدارة السلمية لا الدموية.
وهنا قد يقول صاغة النص النهضوي إن ذلك مُتضمن في المعنى الثالث للديمقراطية الذي يشدد على أنها القاعدة التي تؤسس لعلاقات المجتمع بالدولة لكن قراءة تفصيل ذلك المعنى تفصح عن تركيز على أن الديمقراطية تقوي المجتمع إزاء أي تدخل خارجي وتعمل على تمتينه بحيث يتم ردم الفجوة الراهنة بين الشعب والدولة. وهذا على صحته يظل قاصرا عن احتواء المعنى الرابع المُضاف هنا وهو إدارة الصراع السياسي والمصلحي الداخلي والذي يقوم بداهة وطبيعية داخل أي مجتمع، ولا علاقة له بالخارج.
يرى نص المشروع النهضوي العربي أيضا أن الديمقراطية نظام شامل للحكم ولا تقبل التجزئة، وأنه ما من نظام يمكن وصفه بالديمقراطي ما لم تتحقق فيه سبعة عناصر أو مبادئ هي التالية: الحرية، والتعددية السياسية، والنظام التمثيلي، وحرية الاقتراع، وحق الرقابة على السلطة، والفصل بين السلطات، والتداول الديمقراطي على السلطة، والنظام الدستوري، والنظام الاجتماعي العادل.
ويؤكد هذا مرة أخرى إيجابية التحول نحو تبني الفكرة الديمقراطية عن وعي وإدراك وتجربة مريرة. لكن يجب أن يُضاف إلى هذه المبادئ السبعة ثامن آخر يقع في قلب النظام الديمقراطي وهو المحافظة على حقوق الأقليات. ففي التقليد القومي الكلاسيكي كما في التقليد الإسلاموي الحركي الراهن ثمة تشديد على أن الديمقراطية هي تعبير عن رأي الأغلبية وتمكين لها من الحكم، وهذا صحيح نصفيا، ولا يكتمل إلا بالنصف الثاني الذي يركز على أن الديمقراطية هي أيضا حامية الأقليات من استبداد الأغلبية ذاته.
هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته
المصدر، جريدة الإتحاد الأمارتية: