مع زخم فرص العمل التي فاقت 5 آلاف فرصة..نهج الحكومة في مكافحة البطالة يثير تساؤلات كثيرة وشرط العمر

أنتبه, فتح في نافذة جديدة. صيغة PDFطباعةأرسل لصديقك

مع زخم فرص العمل التي فاقت 5 آلاف فرصة..نهج الحكومة في مكافحة البطالة يثير تساؤلات كثيرة وشرط العمر

وسيم وليد إبراهيم

23/ 08/ 2011

تسعى الحكومة منذ ولادتها إلى تنفيذ استراتيجية وضعتها من أجل توفير فرص العمل ومكافحة البطالة التي استشرت خلال السنوات الماضية. وبغض النظر عن الأشكال التي تأخذها (هيكلية، احتكاكية، دورية وموسمية، إجبارية، واختيارية)، فإن البطالة الظاهرة والمقنعة تبقى الأكثر انتشاراً وخطورة.. وقد سجلت في سورية معدلات متباينة تراوحت مابين 4,5 و6%في فترة السبعينيات والثمانينيات، وتزايدت في فترة التسعينيات، وأخذت بالتأرجح في الخطة الخمسية العاشرة مابين الانخفاض والارتفاع.. ففي عام 2006 بلغت نسبة البطالة 8,،2 وفي عام 2007 بلغت نسبته 8,،4 أما في عام 2008 فقد بلغت ما يقدر بـ 10,،9 في حين بلغت في عام 2009 ما نسبته 1,8 %.. وذلك حسب الأرقام الرسمية. أما حسب الواقع الفعلي فنظن أن نسبة البطالة تتجاوز 17%.

عشرة آلاف فرصة عمل في العام..

أصبحت على مشارف الانتهاء

وإذا ألقينا الضوء على الخطوات التي تعمل عليها الحكومة من أجل تخفيض نسب البطالة التي تتواتر وترتفع دون ضبط من عام إلى آخر، فإننا نجد أن الهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات كانت قد أعلنت عن برنامج لتشغيل الخريجين الشباب في الجهات العامة. وقد حدد هذا البرنامج عدد المتعاقدين المستفيدين بما يعادل العشرة آلاف مستفيد سنوياً، أي بمجموع عام يبلغ خمسين ألف فرصة عمل خلال مدة البرنامج البالغة خمس سنوات، تضاف إلى فرص العمل التي ستؤمنها الخطة الخمسية الحادية عشرة. وسيتم التعاقد مع المستفيدين بعقود سنوية وفق أحكام القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50 لعام ،2004 مع قابلية هذه العقود للتمديد بناء على نتائج تقويم الأداء واستمرار الحاجة إلى خدمات المستفيدين من البرنامج، كما يستثنى المتعاقدون بموجب أحكام هذا القرار من الأنظمة المتعلقة بإجراءات وأصول الترشيح من مكاتب التشغيل، وبضمن ذلك شهادة قيد العمل.

معظم المؤسسات الحكومية

تعلن عن توفر فرص عمل فيها..!

ومع إطلاق هذا البرنامج أخذنا نسمع ونرى بين الحين والآخر ما تعلنه المؤسسات والوزارات عن حاجتها إلى العاملين بشتى الاختصاصات مع توفر شواغر كثيرة وبأعداد كبيرة. فمثلاً ما وصل إلى مسامعنا وما قرأناه هو أن وزارة التربية أعلنت عن توفر فرص عمل لأكثر من خمسة آلاف فرصة على الرغم من أن المسابقة الأخيرة التي أجرتها الوزارة ليست ببعيدة..! إضافة إلى إعلان وزارة الاقتصاد والتجارة عن حاجتها إلى التعاقد مع 67 خريجاً من حملة الإجازة الجامعية، و72 خريجاً من حملة شهادة المعهد المتوسط في مختلف الاختصاصات. وفي وزارة الثقافة أيضاً، وأخرى في وزارة الإعلام، عدا مؤسسة الاتصالات التي لم تحدد الأعداد المطلوبة أيضاً، شأنها شأن وزارة العدل التي أعلنت عن حاجتها إلى تعيين عدد من حملة شهادات المعاهد بوظيفة كاتب ضبط من الفئة الثانية. كما أعلنت مديرية الثقافة في حلب عن حاجتها أيضاً إلى التعاقد مع عدد من الخريجين. وأعلنت محافظة ريف دمشق عن حاجتها إلى 114 خريجاً جامعياً ومعاهد وخبرات، إضافة إلى محافظة حلب التي أعلنت عن حاجتها إلى التعاقد مع 168 شاباً وشابة من حملة الشهادات الجامعية والمعاهد المتوسطة. وكانت الأخيرة ما أعلنته وزارة النقل عن حاجتها إلى التعاقد مع 19 عاملاً بعقود سنوية مؤقتة. وغيرها من المسابقات.

والصفة المشتركة في جميع هذه المسابقات أنها على شكل عقود سنوية وتجمع معظمها على نوعية الشروط المعلنة، والتي تأخذ بما يحتويه القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50 لعام 2004. وتنص الشروط على أن لا يتجاوز عمر طالب العمل ثلاثين عاماً عند تاريخ التقدم بطلب التعاقد، وأن يكون حائزاً على إحدى الشهادات الجامعية المطلوبة والمعلن عنها، وألا يكون عاملاً في جهة عامة أو خاصة أو لحسابه الخاص، وأن يكون مؤدياً خدمة العلم أو أُعفي منها أصولاً بالنسبة للذكور.

هذا ما قاله تقرير سوق العمل..

20 شهراً لإيجاد فرصة عمل..!

وإذا ألقينا نظرة على تقرير سوق العمل الذي أطلق عام 2009-2010 نجده أشار إلى انخفاض نسبة تشغيل العاملين في القطاع الزراعي، وعدم ملاءمة المؤهلات مع مواصفات العمل، وأن أكثر من ثلثي المشتغلين في قطاعي الزراعة و البناء يعملون بصفة مؤقتة أو متقطعة أو موسمية.

وأشار التقرير أيضاً إلى أن نتائج المسح بينت أن نحو ثلثي المتعطلين هم من القادمين الجدد إلى سوق العمل، و90% من المتعطلين الذين سبق لهم العمل ينحدرون من القطاع الخاص، وتستغرق مدة البحث عن عمل زمناً طويلاً يصل إلى 20 شهراً، كما أن البحث عن عمل بدوام جزئي يوجد بشكل خاص لدى النساء وسكان الوسط الحضري، إضافة إلى أن قرابة 82% من المتعطلين لم يتبعوا أي دورات تدريبية. والأسر الأكثر فقراً هي التي تعاني البطالة أكثر من غيرها، كما يفوق معدل البطالة لدى الشباب 3 أضعاف معدل بطالة الكهول. و بلغت النسبة العامة للهجرة 16% من قوة العمل، ويواجه النساء صعوبات أكثر من الرجال في الحصول على فرصة لمزاولة نشاط اقتصادي.

شرط العمر يوسع شريحة

(عوانس العمل) بين الشباب..

ومع العرض السابق الذي تطرّقنا فيه باقتضاب إلى نسب البطالة وبرنامج التشغيل وشرط التوظيف في الجهات العامة الذي حدده قانون العاملين في الدولة رقم ،50 يبقى لنا الوقوف على عدة نقاط هامة أولها

ماذا عن الشروط التي يجب أن تتوفر بطالب العمل، وخاصة بما يتعلق بشرط العمر وهو أن لا يتجاوز عمره 30 عاماً عند تاريخ تقديمه طلب التعاقد أو الوظيفة..؟ أليس هذا الشرط من شأنه أن يضع شريحة واسعة من الشباب المتعلم ضمن خانة (عوانس العمل)؟ وذلك نتيجة عدم تحقيقهم لهذا الشرط (الجوهري)...! فماذا يفعل الشاب الذي قضى عمره بين صفحات وكراسات المقررات الجامعية من أجل أن يحصل على شهادة جامعية أو ماجستير، ثم يأتي هذا الشرط ليدفنه وهو حي ويجعل منه عاطلاً عن العمل ولكن (بدرجة مثقف)، بغض النظر عما لاقاه من أجل تحصيل الإجازة الجامعية؟

ومن أعطى الحق أن يجعل آلاف الشباب يقبعون تحت رحمة البطالة الناتجة عن هذا الشرط؟ أهو قانون العمل؟! ربما! ولكن من المعروف أن أي قانون لم ينزل من السماء هو قانون وضعي، بمعنى آخر يحتمل التعديل ويحتمل الخطأ والصواب، فلماذا هذا الشرط وما هو الغاية منه؟

إذا الآلاف من الخريجين هم ما فوق 30 سنة وهم مسجلون في الشؤون الاجتماعية والعمل منذ سنوات لا تقل عن العشر وينتظرون الفرصة بفارغ الصبر، فإذا كانوا أنهوا دراستهم الجامعية دون خسارة أي سنة من سنوات الدراسة بعمر ،22 أن عمرهم على أقل تقدير أصبح 32 سنة، وهم إذن غير مؤهلين للتوظيف، فماذا يفعلون؟!

ما الغاية من هذا الشرط؟

لن نطيل بسرد القصص التي يرويها الكثير ممن ينتمون إلى هذه الفئة، بل نود القول لماذا هذا الشرط؟.. هل هو من أجل التأمينات الاجتماعية لكي يبلغ 30 عاماً من الخدمة ويأخذ تقاعداً كاملاً من التأمينات، أم أن مؤسساتنا الحكومية لم تعد تستقبل سوى عمالة شابة تحت سن 30؟ وأعتقد أن هذا الأمر بعيد جداً عن الواقع، وخاصة أن الكثير من مؤسساتنا الحكومية مليئة بالعمالة المسنة التي أخذت تستفحل كثيراً بغض النظر عن خبرتها. أليس من المفترض استيعاب الكوادر الشابة المتعلمة وتدريبها بدلاً من دفنها ووضع ( العصي في العجلات) أمام توفير فرص العمل؟

أما الجانب الآخر لهذا الأمر فهو أن الكوادر الوطنية التي سافرت إلى الخارج نتيجة عدم توفر فرص عمل لها في وطنها، لن تستطيع العودة والعمل في مؤسسات الدولة، لأن هذه الكوادر وفق اعتقادي مضى عليها مالا يقل عن 12 عاماً من التخرج أي أن عمرها فاق 30 عاماً، لذا لا بد من إعادة النظر بهذه النقطة الهامة التي تجعل من الشاب يحسب أيام عمره وكأنه في سباق مع العد التنازلي لمدى قبوله موظفاً وعاملاً في الدولة.

لماذا لا يتحمل القطاع الخاص

عبء العمالة في سورية؟

أما النقطة الثانية فهي تتعلق بأن هذا الشرط من شأنه أن يزيد معدل البطالة بين الشباب. وهذا الأمر يتنافى بشكل أو بآخر مع هدف برنامج التشغيل الذي يسعى لتأمين فرص العمل للشباب لا تحديدها ضمن فئة عمرية. إذ يجب الأخذ بالفئات الأقدم تخرجاً، والتي لم تجد فرصاً للعمل وليس العكس. وهنا يجب أن نتطرق إلى مسألة في غاية الأهمية وهي دور القطاع الخاص في تحمل عبء العمالة.. إذ يجب على القطاع الخاص أن يحمل الكتف الأكبر من العمالة، لأنه ليس من المنطقي أن تقوم الحكومة بمفردها بتحمل هذا العبء الذي لا يمكن لأي دولة في العالم مهما عظم اقتصادها أن تتحمله. إذ نجد الحكومة في أغلب دول العالم تلعب دور الرقيب فقط على السوق وعلى مؤسسات القطاع الخاص الذي يشكل لاعباً رئيساً في الاقتصاد والحياة الاجتماعية أيضاً. وهذا ما نفتقره في وطننا. فالقطاع الخاص في السوق السورية لا يلعب الدور المراد منه، كما أنه في كثير من الأحيان يفتقر إلى الأخلاقيات التي تجعل منه لاعباً اجتماعياً هاماً في المجتمع السوري. كما أن نسبة تحمله للعمالة ليست بكبيرة، لأن هناك الكثير من المؤسسات الخاصة تعيش في الظل وتأخذ شكل المؤسسات الصغيرة أو المتناهية الصغر أو المتوسطة، لذا لا بد من القول بأن القطاع الخاص في سورية يحتاج إلى إعادة هيكلة من قبل الحكومة بحيث يصبح لاعباً اجتماعياً في السوق، إضافة إلى دوره الاقتصادي مع تقييم ويمكن إحداث ذلك من خلال إطلاق مؤشر للقطاع الخاص حيال دوره الاجتماعي مع وضع معايير معينة لكل مؤسسة بعد ضمها إلى الاقتصاد الحقيقي ومراقبة مدى تطبيقها لهذه المعايير ومحاسبتها في حال التقصير. وهذا يأتي بالطبع بعد تقديم الحوافز للمشاريع الصغيرة والمتوسطة وتقديم الدعم لها، لأنها تلعب دوراً جلياً في امتصاص قدر كبير من البطالة بشتى المجالات.

أين كانت هذه الشواغر والفرص سابقاً!؟

النقطة الثالثة التي نود إلقاء الضوء عليها هي أنه مع انطلاق برنامج تشغيل الخريجين بدأت الشواغر التي تعلنها المؤسسات الحكومية تهمس في آذان الشباب بين الحين والآخر. وهذا الأمر يجعلنا نسأل أين كانت هذه الفرص في عهد الحكومة السابقة، وخاصة أن بعض الوزراء في الحكومة السابقة مازالوا على رأس مسؤولياتهم في الحكومة الحالية مع تغيير موقع عملهم؟..وهل كانت الحكومة السابقة تعلم بوجود هذه الشواغر والفرص وتكتمت عليها لأسباب لا نعلمها؟.. ولماذا التأخر بإعلان المؤسسات الحكومية عن توفر فرص عمل للخريجين وبأرقام مخيفة، مثل الفرص التي أعلنتها وزارة التربية، على الرغم من أن سوق العمل مليء بالعاطلين عن العمل؟.. وفي حال جمعنا الفرص التي أعلنت عنها المؤسسات الحكومية نجدها تقدر بـ 5504 فرص عمل. هذا بالنسبة للجهات التي أعلنت عن الأعداد التي تحتاجها، في حين هناك الكثير من الجهات التي لم تعلن عن تلك الأعداد. والرقم الأخير يشير إلى أن الحكومة اجتازت تحقيق نصف ما خطط له وهو توفير 10 آلاف فرصة عمل في العام الواحد.

الخلاصة..

وفي الختام نود الإشارة إلى المثل الشعبي القائل (اليد الواحدة لا تصفق)، وهذا الأمر يستدعي من القطاع الخاص أن يتحول من قطاع ربحي إلى قطاع ربحي واجتماعي في آن واحد، وذلك لكي نلمس النتائج الحقيقية لأي قرار أو برنامج يطول مجمعنا، وهذا الأمر يحتاج إلى تعاون الحكومة مع القطاع الخاص، والنتيجة ستعود بكل تأكيد على المجتمع.

وسيم وليد إبراهيم

--------------------------------------------------------------------------------

النور 498 (24/8/2011)