أنتبه, فتح في نافذة جديدة. صيغة PDFطباعةأرسل لصديقك

التحفظات السورية على اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة (السيداو)

وسعت رقعة التمييز لدينا..

ربا الحمود

لأجل القضاء على كل أنواع التمييز ضد المرأة في المجتمع، ولأجل خلق مساواة حقيقية بينها وبين الرجل على كل المجالات، وخاصة إن المرأة حاليا أصبحت تقوم بنفس الأعمال التي يقوم بها الرجل. كان لابد من وجود قواعد معينة يتم السير عليها لتكريس المساواة بين الدول كافة ضمن نهج واحد للوصول إلى حد معين في التعامل بين مجتمعات هذه الدول، فيما يخص تطبيق المساواة في حقوق المرأة.

جاءت اتفاقية السيداو.. ضمن ستة أجزاء، وثلاثين مادة اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعرضتها للتوقيع والتصديق والانضمام إليها من قبل الدول الراغبة في المصادقة عليها .

تم التصديق والانضمام إلى الاتفاقية من قبل سورية بالمرسوم رقم -330- تاريخ 25-9 - 2002

وطبعا التصديق على كل الاتفاقيات لدينا يجب ألا يتعارض مع أي بند أو مادة في قوانيننا الجامدة، أو التعارض مع أي عرف أو موروث اجتماعي أو فكري، بما قد يسمح للمرأة السورية فسحة صغيرة من الحرية الشخصية لها أو قد يؤدي إلى الاعتراف بها كفرد موجود له كل الحقوق كما هو مطالب منها كل الواجبات .

لذلك كان لابد من إملاء بعض التحفظات على السيداو ليتم المصادقة عليها..

المادة رقم (2) والتي ضمت خمس فقرات نصت في مجملها على إلغاء أي تمييز دستوري أو قانوني أو تشريعي قد يكرس أي ممارسة تمييزية ضد المرأة.

والمادة (9) الفقرة الثانية :

" تمنح الدول الأطراف المرأة حقا مساويا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما "

والتي تتعارض مع قانون الجنسية لدينا القائم على حق الدم والإقليم فيما يتعلق بمنح الجنسية والذي حصره القانون لدينا بدم الرجل السوري فقط..

المادة (15) الفقرة الرابعة:

والتي تم التحفظ عليها لأنها تسمح للمرأة باختيار محل سكنها وإقامتها على حد سواء مع الرجل ، بعكس ما يسمح به شرعنا وقوانيننا التي كرستها المادة (70) ضمن قانون الاحوال الشخصية، وكذلك أعرافنا الاجتماعية التي تعتبر المرأة تابعا وظلا للرجل وتأتي دائما في المرتبة الثانية بعد الرجل .

المادة (16)

بالفقرات (ج- د و- ز) والتي أكدت على المساواة بكل ما يتعلق بالحقوق والمسؤوليات في الولاية والقوامة والوصاية على الطفل وكذلك في الحق في اختيار اسم الأسرة .

والبند الثاني منها المتعلق بخطوبة الطفل أو زواجه وذلك لتحديد سن أدنى للزواج ..

المرأة في مجتمعنا لها حق الإنجاب فقط.. لأنه حق الهي وفيزيولوجي خارج عن إرادة القوانين والمشرعين ، أما أي حق آخر إنساني يرتبط بالطفل الذي أنجبته فهو يتبع فقط وجودها ضمن مملكة الرجل، فطفلها الذي تنجبه بعد تسعة شهور من الحمل، لا تملك أن تقدم له شيئا حتى اسمه أو نسبه، إذا لم يرتبط هذا الطفل برجل يعترف به ويقبل بإعطائه اسمه ونسبه وضمه إلى عائلته، وإلا فليس لهذا الطفل إلا الإنكار من قبل مجتمعه ومن كان سببا بقدومه إلى الحياة، وحتى في الطلاق أو موت ولي نعمتها، عليها إلغاء نفسها بعيدا عن أي ارتباط آخر، لتستطيع الاحتفاظ بطفلها، بعيدا عن أي وصاية أو قوامة طبعا إلا فيما خلا استثناءات نادرا ما تحدث لتكون وصية على أطفالها .

المادة (11) الفقرة (ا) والتي نصت على :

"الحق في العمل بوصفه حقا ثابتا لجميع البشر"

هنا العمل حقا لكلا الطرفين، بينما في قانون الأحوال الشخصية، عمل المرأة هو حق للزوج الذي يقرره لزوجته فيما إذا رغب لها بالعمل أم لا وفي حال مخالفتها لرأيه في عملها تعتبر امرأة ناشزا .

المادة (13) التي دعت إلى القضاء على التمييز ضد المرأة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وخاصة الفقرة (ا) من المادة التي أكدت على الحق في الاستحقاقات العائلية، وخير مثال على التزامنا ببند هذه المادة.. هو قسائم المازوت التي تجاوزت النساء على اختلاف ظروفهن الاجتماعية والاقتصادية من قسائم الدعم، ليشتروا ثمن تدفئتهم بعيدا عن أي دعم من الدولة والمجتمع، فقط لأنهن لا يعشن في كنف رجل!!

كنتيجة نصل بها بوضع هذه التحفظات كعائق في الوصول الى حقوق المرأة السورية

هذه التحفظات تجعل القانون والمجتمع السوري غير مطالب وغير ملزم بأن يطبق ما ورد في بعض بنود هذه الاتفاقية، مع أن ما تم التحفظ عليه هو أهم جزء في الاتفاقية، أو أنها مغزى وفحوى استصدارها من قبل الأمم المتحدة .

إضافة إلى أن هذه التحفظات هي نفس المطاليب التي طالما توقفت عندها النساء السوريات وطالبنّ بها..

وكان التصديق على الاتفاقية من قبل الدولة، يترك انطباعا برغبة المشرع أخيرا بتجاوز تلك الثغرات والتغلب على تلك القوانين البالية التي لا تدعو إلا إلى الانتقاص من كرامة المرأة وحريتها ليصلنّ إلى مساواة حقيقية مع الرجل في مجتمع قائم على محاولة التطور الحضاري والارتقاء لمجتمع مدني للحياة بين الأفراد

ولكن.. ومن خلال هذه التحفظات.. وتجاهل محاولة التغيير.. لا نشعر إلا بخيبة الأمل بأننا لازلنا نصر على الوقوف عند كل ما يجعلنا نرجع بعشرات الخطوات إلى الوراء حيث التمييز والتفرقة القائمة على أساس الجنس .

وتكريس انتقاص حقوق المواطنة وجعلها متاحة لنوع من الجنس البشري وإقصائها عن الآخر،

مع أن الدستور السوري يؤكد في مادته الخامسة والعشرون على المساواة في الحقوق والواجبات وقوانيننا تصر على مخالفة الدستور بدون أي إشارة أو تنويه، بحجج تعتمد على ضرورة احترام الدين، وبحجج أخرى.. احترام العادات والأعراف !!

علما أن الدستور يأتي أولا..ومن ثم تأتي الاتفاقيات الدولية التي يجب أن تراعى لأنها تتماشى مع العلاقات الدولية، بعكس القوانين المحلية والتي هي أصلا وجدت لمصلحة المجتمع وحفاظا على حقوق أفراده ومن الممكن تعديلها لتتماشى مع مصلحة الأفراد .

فما نفع التصديق على الاتفاقيات الدولية كافة ، إذا كنا بعدة تحفظات لا تتلائم مع جمودنا الفكري والديني لدينا، نفرغها من مضمونها .

وماذا بقي إذا من مضمون هذه الاتفاقية مادمنا حتى في المواد التي لم يتم التحفظ عليها لا نلتزم بها.

الاتفاقيات يجب قبولها كما رفضها كقالب واحد، وان مجرد التوقف عند أي مادة، دون سبب واضح ودون حل واضح لتجاوز إشكالية المادة هو بمثابة عجز عن مواكبة تطور القوانين والحقوق الدولية .

ويبقى الترويج والنشر لبنود هذه الاتفاقية، الذي لا يتم إلا من خلال بعض الهيئات الغير حكومية وبعض الجمعيات، بعيدا عن أي مساهمة حكومية تذكر إلا استثناء الأنشطة التي تقيمها الهيئة العامة لشؤون الأسرة بين فترة وأخرى..

فهذه الاتفاقية لا يتم نشرها ولا شرح بنودها في الهيئات الإعلامية لا المقروءة ولا المرئية ولا المسموعة، حتى أن نسبة كبيرة من النساء لا يعلمن عن وجود الاتفاقية شيئا..

عند صدور مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد.. كنا نعتقد بأنه أخيرا سيتم تحديث القانون بما يلائم التطور الفكري وبنود الاتفاقية.. لكن وجدنا العكس.. وتوقف المشروع بدون وجود بوادر لمشروع جديد..

كذلك تم مناقشة موضوع إعطاء الأم جنسيتها لأولادها ضمن مجلس الشعب.. ثم توقف النقاش بحجة تعارض ذلك مع موقف ومبدأ معين..

إن مستوى المعاناة الذي وصلت إليه المرأة السورية من جراء الكثير من الإجراءات التمييزية المتكررة ضدها على عدة أصعد قي المجتمع، والقانون، والصحة، وحتى ضمن الأسرة وفي التعامل الشخصي معها.. أصبح بحاجة إلى إيجاد حلول تنصفها مما يحول ضد تطورها وتطور المجتمع

مجلة الثرى- العدد 262 تاريخ 18-12-2010 السنة السادسة