أنتبه, فتح في نافذة جديدة. صيغة PDFطباعةأرسل لصديقك

8 Dec 2010

عامر عبد السلام

لم تتوقف رحلة البحث عن عمل في مكاتب التشغيل التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، بل أصبحت مستحيلة في ظل البلاغ الذي أصدره رئيس مجلس الوزراء في العشر الأخير من الشهر التاسع لهذا العام، إذ اشترط في بلاغه ذي الرقم 13/ب للحصول على وظيفة في القطاع العام أن يكون معدل التخرج أو مجموع الدرجات لا يقل عن 60 % من المعدل أو المجموع العام، والمبرر الذي قدمه البلاغ في مقدمته هو الحرص على ضمان كفاءة شاغلي الوظائف في الجهات العامة.

البلاغ السابق، وكما رأى عدد من الخريجين يهدم في نظرهم الفرصة الأخيرة لهم لتأمين مستقبل محدود نوعاً ما لكن مستقر على المدى البعيد، بعكس القطاع الخاص الذي يعيش به أي عامل كفاف يومه مخافة تركه العمل في الفرصة الأولى لتعرض المؤسسة أو صاحب العمل لهزة مالية أو حدوث خلاف شخصي، فبعد أن أصبحت كلمة عدالة في توزيع الدخل أو تأمين فرص العمل معدومة بين الشباب، وبات النظر إلى مشروع خاص أو الارتكان إلى شركة أو مصنع خاص، السبيل الوحيد الذي يتجه إليه الشباب (ذكوراً وإناثاً) لتأمين مستقبلهم، بات اليوم البحث عن عمل مناسب أو عمل مستقل هو الحل الأفضل لدى العديد من الشباب.

البلاغ حدد عدداً كبيراً من الشروط لشغل الوظيفة العامة، وتعليقاً على شرطه الخاص بمعدل التخرج أو النجاح المحدد بـ 60 % اعتبره الخبير الاقتصادي الدكتور قدري جميل تعبيراً عن انسحاب الدولة من لعب دورها الاجتماعي بعد أن انخفض دورها الاقتصادي، وهذا نتيجة منطقية للسياسات الاقتصادية الحالية، فيما اعتبرته المدّرسة في كلية الحقوق جامعة دمشق الدكتورة كندة الشماط أنه غير موجود في قوانين العمل الحالية (القانون رقم 17 لعام 2010 الخاص بالعاملين في القطاع الخاص والمشترك وقانون العاملين الأساسي الخاص بموظفي القطاع العام)، متسائلة: لماذا يوضع حد لمعدلات النجاح أو التخرج؟!، فلو كان معدل التخرج في الشهادات العلمية فوق الـ 60 % فهذا جائز لأن معدلات النجاح في هذه الأفرع هي فوق الـ 60 %، لكن في الكليات النظرية معدلات التخرج لا تتجاوز الـ 50 % ومعدلات النجاح كذلك، مشيرة إلى أن شرط المعدل العالي كان لمدرسي الجامعة فقط منعاً للفساد.

البلاغ الذي مازالت بعض الجهات (الأهلية) تحاول دراسته كما يجب وتعد عنه المذكرة وراء المذكرة، امتنعت عن التعليق حتى يتم النظر به من جديد، لكن المدرس في كلية الحقوق الدكتور طاهر دامرجي وبمجرد قراءته البلاغ علق على أنه( يمكن الطعن بهذا البلاغ أمام القضاء الإداري، معللاً السبب أن القانون لم يحدد معدل التخرج وإنما حدد معدل النجاح والناجح أصبح مؤهلاً للعمل في المجال الذي يناسب دراسته، مشيراً إلى أن هذا البلاغ حدد المعدل لطالب العمل الذي يريد التقدم للوظيفة وهذا غير قانوني ويعد مخالفة للقانون، فالتقدم للوظيفة على هذا المعدل مخالف قطعاً للقانون، وهذا لا ينطبق على مبدأ تكافؤ الفرص، موضحاً أن الأفضلية لطالب الوظيفة عندما يتقدم عدد كبير من المتقدمين وتختار اللجنة المشكلة من مكان التوظيف الأفضل بناء على المعدل فهذا قانوني في تلك اللحظة، أما التحديد المسبق فهذا مخالف للقانون، وفي طبيعة الحال، سوف يتم اختبار الأفضل لأي مسابقة، ففي بعض الوظائف تتطلب الجهة طالبة التوظيف عدداً كبيراً من الوظائف بناء على الشواغر التي لديها، فمن يملك المعدل المطلوب يتقدم أما من لا يملك المعدل المطلوب فلا يتقدم، فماذا تفعل في هذه الحال هذه الجهة إن كان هناك عدد من الشواغر ولا يوجد متقدمون من ذوي المعدل المطلوب، فضمن منطق القانون يجب أن نترك الشروط المسبقة وأختار حاجتي بناء عليها، فالوزارات تطلب حاجتها بناء على المعدلات المرتفعة والامتحانات، والشروط المسبقة تحرم الكثير من طالبي العمل، فالبلاغ تحصيل حاصل بالنسبة للمسابقات والطلبات، وعلى أساس شرط المعدل، لكن أن يفرض قبل التوظيف فهذا مخالف كما أسلفنا…).

لكن مديرة القوى العاملة في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل رشا حرفوش تعتبر أنه ليس من العدالة أن نشغّل كل طالب عمل في القطاع العام، فالقطاع العام اختار أن يكون الكادر نوعياً ومعدل تخرجه فوق الـ 60 %، بغض النظر عن معدلات التخرج في الجامعة، وهذا الأمر يعتبر قانونياً ويحق لرئيس مجلس الوزراء إصدار التعليمات الخاصة بالتشغيل.

رؤية أخرى

تفسيرات البلاغ عديدة وأهمها ما بينه الباحث في التخطيط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الدكتور محمد سعيد الحلبي بأنه عندما يكون العرض لاشتغال الوظائف أكثر من الطلب تلجأ الدول لوضع معايير وسلم أفضليات بحيث تختصر نسبة معينة من المعروض بالنسبة للمطلوب، لكن المفهوم التقليدي ومنذ استقلال سوريا وحتى الآن هو اتجاه طالب العمل إلى الوظيفة الحكومية بنسبة تتجاوز الـ 98 % وهذا يرافقه الشعور والتوجه منذ الصفوف الأولى في المدرسة وحتى حمل الشهادة بطرق باب أية وزارة تستقبله، لكن الدكتور الحلبي اعتبر الوضع في سوريا الآن مختلفاً والنمطية في التفكير والنمطية في التوجه يعاد التفكير بها، والتوجه الحالي أن يؤسس الخريج عملاً خاصاً به، وليس التوجه إلى وظيفة، فالبلاغ ووفقاً للحلبي أحد المعايير التي منشؤها الحد من الطلبات المتزايدة التي تعجز بها الدولة عن تأمين الفرص للوظائف.

فلم يعد تأمين الفرص مقتصراً على القطاع العام بل هناك دور فاعل للقطاع الخاص، لكن الدكتور قدري جميل يرى أن القطاع الخاص لن يستوعب كل العمالة الموجودة، وإنما سيزيد من معدلات البطالة.

هنا يأتي توجه الحكومة الذي يشير إليه الدكتور الحلبي بأنه في الوقت الحالي من خلال تغيير المناهج ومن خلال فتح مناهج للاستثمار الخاص والتشجيع للقطاع الخاص لاستقبال الأعداد المتزايدة، ويكون الهدف الأساسي لطالب العمل تأسيس عمل والمشاركة في عمل، والابتعاد لو قليلاً عن وظائف الدولة، فالدولة الآن تواجه مشكلة كبيرة، فالتعليم النمطي لا يؤهل ولا يساعد الشباب في مواجهة المتغيرات والمتبدلات في سوق العمل، فسوق العمل يطلب وظائف كبيرة في الاختصاصات الجديدة كافة، وتؤكد مديرة القوى العاملة في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل رشا حرفوش أنه ليس من العدالة أن نشغل كل الناس في القطاع العام، فالقطاع العام اختار أن يكون الكادر نوعياً ومعدل تخرجه فوق الـ 60 %، أي من كان معدله دون ذلك فليتجه إلى القطاع الخاص وهذا لا يعني أنك حرمته من العمل، الهدف هو رفع مستوى كفاءة العمل في القطاع العام ليس أكثر، والبحث عن الموارد النوعية..

فثقافة العمل حسب الدكتور الحلبي تتطلب عمالة والتعليم في سورية حتى تاريخه لا يؤهل الخريجين في الدخول في هذه الأنواع الجديدة، (الآن نحن في مرحلة انتقالية فالأعداد متزايدة من الخريجين الباحثين عن عمل والاستعانة بمهنيين من خارج سورية لتلبية هذه الأعمال، وأكبر مثال هو البنوك والمصارف حيث نجد أن خريجي الاقتصاد غير مؤهلين لممارسة المهنة في الوقت الحالي، ففي نظام العمل السابق لم يجد كل خريج مكاناً له في وظائف الحكومة، واستيعاب كل الخريجين في الوظائف الحكومية والآن تبدلت الأحوال وتقلل الطلب الحكومي عليها..

ويتساءل الدكتور الحلبي: ما المعيار الآخر غير هذا؟! أتوقع أن يعقب هذا البلاغ معايير أخرى تراها مؤسسات الدولة في المستقبل، فهي قد تأخذ معيار السن أو معيار المهارات المختلفة، والآن نحن في عصر التخصص، وفي القطاعين العمل يتطلب مهارات مختلفة، ولا يتطلب طالباً دَرَسَ بشكل عام وإنما طالب عمل ودرس الاختصاص المتجه إليه في مجال معين، فالآن المطلوب في سوريا العمل بمهارات عالية في الاختصاص المعين، والتعليم السابق وحتى الآن اعتمد أن يعطي كماً هائلاً من المعلومات، ليكون مناسباً لأي مكان فلا فرق للخريجين أين يمارسوا العمل في الزراعة أو الصناعة أو السياحة، فالعصر الحالي للدولة هو التوجه لتشجيع المهارات وهذا مطلوب فعلياً لتكوين المهارات، فالقطاع الخاص لا يتحمل العامل أبداً وهو يتطلب مهارة عالية وتفانياً بالعمل وإبداعاً مستمر وتطوراً وهذا غير موجود في الوظائف الحكومية، أما القطاع الحكومي فيتحمل العامل بكافة سلبياته ولفترات طويلة ومضمون الحقوق أيضاً..

وما يحدث في الوقت الحالي أن النسبة الكبرى من المليون والنصف مليون المسجلين في مكاتب العمل والتي تقارب الـ 70 % من طالبي العمل يعملون، لكن الطموح بالنسبة إليهم الوظيفة الحكومية لأنها أكثر أماناً واستقلالاً للمستقبل، وفقاً للدكتور الحلبي الذي أضاف أن هذا أحد المؤشرات البسيطة الذي بالتأكيد سيتبعه بلاغات وقرارات من الممكن أن تصدر قريباً لحل قضية التوجه إلى القطاع العام.

أراء وحلول

الشرط السابق (معدل التخرج أو النجاح 60 % ) والذي وجد في آذان الكثير من طالبي العمل استنكاراً وتفويض الأمر لصاحب الأمر، وجده الدكتور قدري جميل مسبباً لتصدير العمالة السورية إلى خارج سوريا بل وسماه طرد للكفاءات العاملة بعد إنفاق الدولة عليها الكثير من المال، لتكون بأيدي دول مستقبلة لهم وتستفيد منهم دون أن تدفع عليهم سنتاً واحداً، بل عده الدكتور قدري طرداً للعمالة السورية إلى خارج قطاع الاقتصاد وخارج البلاد، وهذا بطالة ومن لديه القليل من المؤهلات سينظر إلى الخارج، متسائلاً لماذا لا يتغير النظام التعليمي أولاً؟! وبعد ذلك تتغير معدلات النجاح؟!!! لكن هذا البلاغ يعدم هذه الفئة واصفاً إياها بالمضرة وتزيد من نسب البطالة وضخ يد عاملة رخيصة للآخرين

فيما الدكتورة الشماط ترى أن المشكلة بالنسبة للكليات العلمية محلولة، لكن في الكليات النظرية هناك معدلات لا تتجاوز 59 % وأقل، مما يعني بقاء آلاف الخريجين خارج الإطار الوظيفي، وبذلك حرمناهم من الدخول إلى الدوائر الحكومية، وهذا الشرط من الممكن أن يوضع للشهادات الإعدادية للتشجيع أن يكمل دراسته، أما للثانوي أو الجامعة، فالكثير من الطلاب لن يجد عملاً في القطاع العام، وهناك الكثير من الطلبات في مكاتب العمل.

معدل وذكاء

مقاييس الذكاء تختلف من شخص لأخر، وترى الدكتور الشماط أن صاحب المعدل القليل يمكن أن ينال الكثير من العلامات المرتفعة في امتحان الكفاءة الذي تنظمه الوزارات أثناء طلبها للوظائف، فيما يرى الدكتور طاهر دامرجي أنه من الناحية الاجتماعية والتربوية هناك قاعدة أن العلامة لا تعبر عن مقدار فهم وخبرة الشخص، أو قوته في هذا المجال، وإنما هي عبارة عن قياس وضعه البشر لقياس الذكاء وليس هناك قياس أخر ملموس، فوضع الشرط يؤدي للإحباط للكثير من الخريجين الذين لا ينقصهم إحباط في سوق العمل، أما الدكتور الحلبي فلا يعتبر معدل النجاح معياراً لتميز الطالب عن أداء وحيوية الشخص في عمله، لآن من ينال العلامات العالية لديه القدرة أكثر من غيره على الحفظ (البصم)، وكلما ارتفعت هذه القدرة ارتفعت العلامات، وبالعرف الأكاديمي (اعتدنا القول أن الطالب الذي ينال 80 % أفضل من الـ 70 %، لكن واقع الإنتاج ينظر للمعيار على أنه غير حقيقي) فلا يعد المعيار الحقيقي للتفاضل بين الخريجين واختيار الأفضل منهم. ويتابع الدكتور الحلبي القول أن هناك العديد ممن معدلاتهم منخفضة كانوا متفوقين جداً في العمل بالمقارنة مع أقرانهم ذوي المعدلات المرتفعة..

فيما تبرز الرؤية المستقبلية للدكتور قدري جميل أن هذا البلاغ يشجع على اقتصاد الجريمة واقتصاد الانحراف.

الخبر