أنتبه, فتح في نافذة جديدة. صيغة PDFطباعةأرسل لصديقك

موظف بعملين … اختراع سوري بامتياز

21 Nov 2010

يعيش المستهلك السوري حالة من الازدواجية، في أغلب مناحي حياته، ازدواجية صبغت بشكل أو بآخر حياته بطابع رياضي حسب تعبير البعض متهكماً أو ملطفاً قساوة الوصف، فمع تراجع الرواتب والأجور في ثمانينات القرن الماضي، وصولاً إلى المرحلة الحالية، وارتفاع الفجوة بين الأجور والأسعار نتيجة ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات عالية، أصبح تأمين متطلبات الحياة لأي أسرة هاجس رعب، ساهم في تعميقه عدم فعالية زيادة الرواتب والأجور التي اتبعتها الحكومة منذ بداية القرن الحالي، ذلك أن هذه الزيادات ترافقت دائماً مع زيادة للأسعار التي تضاعفت مثلاًُ منذ عام 2000 حتى الآن بمقدار ثلاثة أضعاف، على حين أن الرواتب لم تصل زيادتها، بعد عشر سنوات على ذلك إلى 65% فقط،.

إضافة إلى أن عدم قدرة قطاع الاستثمار حتى الآن على الدفع بفرص وظيفية جديدة تلبي تزايد السكان من جهة، وارتفاع نسبة خريجي الجامعات من جهة أخرى، ساهم في تعميق الفجوة والأزمة. لتبقى الأجور أقل، بما يفوق قدرة السوريين ذوي الدخل المحدود على سد احتياجاتهم ومتطلباتهم الحياتية.

عمل ثانٍ

يبدأ إبراهيم يومه بالذهاب لعمله الأول (موظف في إحدى المديريات التابعة لإحدى وزارات الدولة) عند السابعة والنصف صباحاً، والذي يغادره في الثالثة والنصف بعد الظهر إلى عمله الثاني (في أحد المطاعم حيث يعمل نادلاً) وينتهي منه في الحادية عشرة مساء.

ويقول إبراهيم: عدد ساعات عملي 16 ساعة، أحصل منها على دخل شهري 30 ألف ليرة فقط. مشيراً في الوقت ذاته إلى أن عمله يؤثر سلباً في حياته، سواء الشخصية أم الاجتماعية، إذ ينحصر عدد ساعات نومه في 6 ساعات، ما يصيبه أغلب ساعات النهار بالإرهاق… وتابع: من الناحية الاجتماعية، فإن علاقاتي الاجتماعية، سواء بالأهل أم الأصدقاء، أصابها كثير من الفتور، والسبب يعود إلى غيابي عنهم، سواء في المناسبات السعيدة أم الحزينة. وخلص إبراهيم إلى أن المواطن أصبح مضطراً إلى الجمع بين عملين للحصول على دخل شهري، يوفر له الحياة المناسبة له ولأسرته. والواقع أن إبراهيم، ومن خلال ما أورده، لا يمثل نفسه فقط، بل شريحة واسعة من المواطنين، وعليه فهو مجرد نموذج لعدد آخذ في التصاعد، من تضطرهم مشكلة الأجور المتدنية إلى التعويض بعمل ثانٍ، من أجل الحصول على دخل شهري يفي بمتطلبات الحياة، رغم وجود تبعات لذلك المنهج، ينبغي الالتفات إليها.

الدخل والأمان

ما يمكن وصفه بالحظ يلعب دوره في هذه الناحية، فليس كل طالب لوظيفة أو محتاج لها يستطيع أن يجد مطلبه أو حاجته، وخصوصاً أن ما قد يدفعه رب العمل يكون قليلاً مقارنة بتحصيل صاحب الحاجة الدراسي أو حتى مركزه الوظيفي أو إمكانياته وخبراته في مجال عمله الأمر الذي يضعه بين مطرقة الحاجة وسندان رب العمل.

سعد خريج لغة إنكليزية يقول: لا يهم العمل سواء في القطاع العام أم الخاص لكن ما يهم أن أجد عملاً مناسباً في نطاق اختصاص دراستي، وأضاف سعد: حتى يضمن المواطن قوت يومه عليه أن يعمل أي شي، فأنا متخرج منذ عامين ولم أعمل حتى الآن في مجال اختصاصي بسبب اضطراري للعمل وخصوصاً مع جائحة ارتفاع الأسعار التي تجتاح البلد، القطاع الخاص يؤمن مردوداً أعلى لكنه يفتقد للأمان وحول الأفضلية بين القطاع العام والخاص، يقول أبو رامي (38 سنة) موظف في القطاع العام ويعمل أيضاً في القطاع الخاص: على الرغم من أن القطاع الخاص يؤمن من الدخل أعلى إلا أن القطاع العام يشكل ضمانة أكثر للمستقبل وخصوصاً أنه مشمول بقوانين التأمينات الاجتماعية والراتب التقاعدي وعدم الفصل التعسفي. ويتابع أبو رامي: لقد طلبت مني شركة القطاع الخاص أن أتفرغ كلياً للعمل معها وأن أستقيل من عملي في القطاع العام لكني رفضت وفضلت الإبقاء على صيغة العملين بدل العمل الواحد، فالعمل الواحد بكل الأحوال لا يكفي الاحتياجات العائلية. وأشار أبو رامي إلى أن القطاع الخاص لن يتنازل عن أي من سلطاته ما لم تتخذ الحكومة خطوات فاعلة على اتجاهين: الأول توعية القطاع الخاص بأهمية إعطاء الشعور بالأمان للعاملين لديه. والاتجاه الثاني فرض قوانين تجبر القطاع الخاص على تحقيق هذا الأمر، إذ إن القطاع الخاص يسعى دائماً لتحقيق أكبر المكاسب بأقل التكاليف. وعن تأثيرات العملين يضيف أبو رامي: هناك مصاعب كثيرة للعمل في جهتين ولاسيما ضغط الوقت والعمل الذي يأخذ من وقت راحتي الكثير، والحياة الاجتماعية تكاد تتلاشى حيث أعمل يومياً ما يزيد على 14 ساعة متواصلة وبهذا يصبح اليوم مقسماً بين العمل والنوم فقط وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة من الصعب التخلي عن إحدى الوظيفتين.

عمل ليلي

كثيرون لم تسعفهم أدواتهم بالحصول إلى عمل مسائي فاتجهوا إلى العمل الليلي والعمل الليلي هنا يغلب عليه شكل واحد في معظمه، ألا وهو العمل في المطاعم الليلية، أو المطاعم التي تعمل على مدار الساعة. فأصحاب الدخل المتوسط وخاصة الذين يعيشون في العاصمة، لا يكفيهم دخل العمل الواحد، ولا يسد الاحتياجات وتغطية المصاريف العائلية، وخاصة أن الأسعار من حولهم تشهد ارتفاعاً مستمراً، سواء في المسكن أم المدارس والجامعات وحتى السلع الأساسية والعلاجات الطبية. ولعل البحث عن دخل إضافي لا يتوقف عند الشباب فقط؛ فمحمد قد تجاوز عمره السابعة والخمسين، وبالرغم من ظروفه الصحية الصعبة، فهو بعد إنهاء عمله الأساسي في إحدى وزارات الدولة، يرتاح حتى السابعة مساء، ليبدأ عند الثامنة ورديته على سيارة الأجرة وذلك حتى الثالثة صباحاً، من أجل أن يكسب دخلاً إضافياً، يساعده في تغطية احتياجات منزله الأساسية وتسديد مستلزمات أبنائه الجامعية.

الموظف ليس وحيداً

من هنا كان لا بد للمواطن من اختراعات وبدائل تلبي احتياجاته، فكان البحث عن عمل مسائي بداية ضوء في نفق مظلم وجد المستهلك نفسه داخله، ومن لم يفلح بذلك اتجه إلى دراسة احتياجات السوق عبر اختراع أعمال تساهم بشكل أو بآخر برفع معدل أجره بما يتناسب مع متطلبات عائلته. لذا وفي ظل هذه الحالة ولسوء حظ البعض أو قد يكون من حسن طالعه فإنه وفي مقابل عدم تمكنه من الاستقرار في عمل يؤمن له احتياجاته فقد لجأ إلى استثمار خاص به، استثمار لا ينافسه عليه أحد فكانت دراجة الشاي والقهوة التي يقف بها عند زاوية أو موقف ما أو أمام مديرية يرى عليها إقبالاً من المراجعين وكما يفعل…. كذلك اخترع آخرون الوقوف عند نهايات مواقف الباصات أو في نقطة على خط ما بحيث يتناوب على بيع الشاي والقهوة والزهورات وحتى الماء البارد عدد من العاملين على مدار الأربع والعشرين ساعة وبذلك تصبح هذه النقطة أو المكان معروفة لجميع سائقي الباصات المارين بهذه المنطقة إضافة إلى سائقي سيارات الأجرة الذين لا تسمح لهم ظروف عملهم للتوقف في أحد المقاهي، بل يمكنهم شرب الشاي والقهوة وهم خلف المقود. يقول بسام الذي يعمل سائق سرفيس على خط جرمانا: إن وجود مثل هذه الخدمة يريحني كسائق، وهو ما يؤيده به أبو رائد الذي يعمل بائعاً في إحدى هذه النقاط ويبين أن المبلغ الذي يتقاضاه صحيح أنه لا يتناسب مع الجهد والتعب اللذين يبذلهما لكنه بالنتيجة، يسد الرمق ويتابع أبو رائد متهكما: حتى هذا العمل أصبح يضيق بالعاملين فيه….

التأمينات الاجتماعية

وبالتوقف عند الشق التأميني فقد بين المدير العام لمؤسسة التأمينات الاجتماعية خلف العبد للـه أن سياسة المؤسسة لا تختلف مع عمل المستهلك، في أكثر من عمل، لأن مسؤولية المؤسسة هي التأمين على العامل سواء كان يعمل لمصلحة الدولة أم القطاع الخاص. إضافة إلى ذلك لا يوجد في القانون نص واضح وصريح يمنع التأمين على العامل، ويبين العبد اللـه أن الحالات التي حصلت فيها المؤسسة للعامل حقه من رب العمل كثيرة على امتداد السنوات السابقة، لكن الموضوع توقف الآن مؤقتاً وذلك بسبب اختلاف في وجهات النظر مع الجهاز المركزي للرقابة والتفتيش وقد شكلت لجنة لحل هذا الاختلاف بما يضمن مصلحة العامل.

عبد المنعم مسعود – الوطن