جاء في إحدى المجلات
العالمية وصفا للجامعة بأنها "ليست مقرا للتعليموالامتحانات" بل
إنها "مركزا للاكتشافات العلمية التي تدفع بالاقتصاد قدما، وهيالوسيلة الأساسية
لتعليم ذوي المواهب الضرورية للحصول على أفضلية تنافسية والحفاظعليها، فهي قوة
مهمة للدمج العالمي والتفاهم والاستقرار الجيوسياسي". وبحسب مارصدت هذه المجلة
أيضا فقد تبين دور الجامعات في الاكتشافات العلمية وأهميتها فيرفد الاقتصاد
الوطني وتعزيزه ورفع سوية المجتمع ككل وبينت ما تدره من أرباح تعتمدعليها الميزانيات
السنوية. فقد ظهر بالبحث
الذي أجرته المجلة بشكل جلي دورالجامعات في رفد
الاقتصاد الوطني لدولها ما يرفع من دورها ومكانتها فهي مصدراماديا، وليست
كصورتها في البلاد النامية بشكل عام والعربية بشكل خاص حيث أنها لاتشكل أي رافد على
أي صعيد اقتصادي كان أو اجتماعي.وذلك حسب دراسة أجراها الدكتور
(عماد لطفي ملحس)
حيث أكد أن "الدول الصناعية المتقدمة تتسابق من أجل البحث العلميبوصفه استثمارا ذا
أرباح هائلة بينما لا تشكل هذه المخصصات في ميزانيات الدولالنامية والدول
العربية تحديدا سوى نسبة ضئيلة فبحسب أرقام معهد إحصاءات اليونسكولعام 2004م فان
الإنفاق على البحث العلمي والتطوير في الدول العربية مجتمعة لم تزدعن (1.7) مليار
دولار أي 0.3 من الناتج القومي في حين انفق عليه في دول أمريكااللاتينية
(21.4)مليار دولار وفي الهند( 20) مليار دولار أي 0.7 من الناتج القوميوجنوب آسيا( 48.2)
دولار أي 1.7 من الناتج القومي وفي الاتحاد الأوروبي( 174.7)
مليار دولار أي
1.9 من الناتج القومي وفي الكيان الصهيوني( 6.1 ) مليار دولار أي
4.7 من الناتج
القومي . ما يضعنا أمام
عدد من التساؤلات هل هذه الصورة عنجامعاتنا حقيقية
أم أنه مبالغ بها؟ وما هي أهمية الأبحاث العلمية وحلقات البحثومشاريع التخرج
التي تصرف عليها الجامعات والطلاب الملايين هل فعلا أنه لا أهميةحقيقية منها ؟ وهل
فعلا تصرف الأموال دون طائل ؟ واذا كانت هذه
الصورة حقيقيةفكيف يمكن أن تفعّل هذه
الأبحاث وحلقات البحث والمشاريع بحيث ترفد المجتمعوالاقتصاد الوطني
بميزانية سنوية ؟و أين هو الخلل وكيف يمكن تجاوزه؟ هذه هي فكرةالتحقيق الذي نقوم
به وهذا ما حاولنا الاقتراب منه من خلال عدد من اللقاءات معالطلاب وبعض
الأساتذة في جامعة دمشق. بداية لا بد من
التنويه أن البحث العلميشهد في سورية تطورا كميا
ونوعيا منذ عام 1972م الذي صدر فيه نظام الدراسات العليافي الجامعات الذي
يعد المنطلق الصحيح لتفعيل البحث العلمي، وأحدثت بموجبه درجاتالدراسات
والماجستير والدكتورا وتم في عام 1992م تفعيل البحث العلمي ورسم مسارهالحقيقي في ضوء
التوجه السياسي في مجلس الشعب بتاريخ 12-3-1992م وتأكيد ذلك بتاريخ
10-9-1994م حيث تم
التوجيه بايلاء البحث العلمي الاهتمام الرئيسي في الجامعات،وبناء على ذلك
انطلقت وزارة التعليم العالي لتحقيق هذا الهدف فأعدت مشروع إحداثهيئة عامة للبحث
العلمي ذات استقلال إداري ومالي لتنهض بمهامها دون أي عثرات وقامتبتأليف لجان
متخصصة لذلك ووضعت إستراتيجية للبحث العلمي هدفت للربط بين البحثالعلمي بمراكز
البحث ومراكز الإنتاج وقد خصص تمويل للبحث العلمي منذ عام 1994 حتىعام2004م أكثرمن
مليار ليرة سورية. لكن وبعد هذه
السنوات هل فعلا حقق البحثالعلمي وحلقات البحث
ومشاريع التخرج المطلوب في رفد الجامعات ودعم الاقتصاد؟ إنالواقع في
الجامعات بين الطلاب وبين الأساتذة الجامعيين يبرز صورا مختلفة تدل علىتدني مستوى وأهمية
الأبحاث العلمية في سورية وكذلك أهمية وجود حلقات البحث ومشاريعالتخرج بأن أصبحت
مجرد أوراق توضع في المخازن وبين الرفوف، فتقول آمنة وهي طالبةفي قسم علم
الاجتماع: دائما يطلب منا في حلقات البحث دراسة حالات معينة كالطلاقمثلا وهذا يأخذ
منا وقتا طويلا حيث أننا نحاول جمع الاستبيانات واللقاءات وجمعالحالات وهذا
يساعدنا من ناحية في الخوض في المجتمع عمليا بعيدا عن النظري ويساعدنامن جهة أخرى في
العلامات، لكن السلبيات التي نعاني منها الأموال المهدورة والوقتوالجهد فبالرغم
من أننا نستفيد بالعلامات والتعامل مع الحالات واقعيا إلا أنناندرك أن عملنا لا
طائل له فلا أحد يهتم بما عملنا فكثيرة هي حلقات البحث التي وصلتلأرقام وحالات كان
من المفروض الاهتمام بها لكن لم تلق سوى المستودعات فبعد أن يعطىالطالب علاماته لا
يسمح له حتى بحلقة البحث التي قام بها ولا تصل ليد أي مهتم ولاأحد يعرف
بمحتواها. أما رنا وهي طالبة
في كلية الصيدلة فقد كانت حلقة البحثالمطلوبة منها
عبارة عن ترجمة نوتة من الانترنت إلى اللغة العربية وهي بالرغم منأنها استفادت من
المصطلحات العلمية وتوسعت مداركها من حيث اللغة وبعض المفاهيم إلاأن المستفيد
الأكبر هو الدكتور الذي طلب منها هذه الحلقة حيث يحتاجها في عملةفتقول: هنالك
الكثير من المجالات التي من الممكن أن نقوم بها وتستفيد الجامعة كلهامنها لكن الأمور
شخصية تتعلق بأستاذ المقرر ونظام الجامعة. ويتساءل محمد طالبدراسات عليا في
كلية العلوم هل ما تزال حلقة البحث تأتي الغاية من وجودها كإحدى سبلالبحث العلمي أم
هي عمل روتيني؟ مع التأكيد على أنها تعطي الطالب شعورا بالاطمئنانعلى أنه أمّن
علامته التي ستعينه بالامتحان الكتابي وهي تعلمه البحث والنقاشوالحوار. ويرى شريف طالب
بكلية الآداب أن حلقات البحث في الكليات النظرية هيالخطوة العملية
اليتيمة التي تضع الطالب في جو البحث العلمي لكن يجب تفعيلها بمايخدم الاستمرارية. أما مشاريع التخرج
فقد كان هنالك عدد من الآراء من متخرجينجامعيين بفروع
مختلفة، فبمجرد البدء بالفكرة حول مشرع التخرج تبدأ الحسابات ماهيالميزانية
المطلوبة؟ كيف سنعثر على موضوع مختلف؟ هل سيوافق عليه المشرف؟ هذا ماطرحته المهندسة
ميسون المتخرجة من كلية الهندسة حيث يبدأ المشوار الطويل والذي يضنيمن حيث الوقت الذي
يصل إلى أكثر من (15 ساعة ) يوميا والجهد الذي يصل بكثير منالطلاب إلى حالات
صحية متدهورة، وهدر المال على مشاريع التخرج الذي يصل إلىالملايين (إذا
جمعنا عمل الطلاب على عدد من السنوات في جامعاتنا) ليلقى بها أوفيأحسن الأحوال
يحتفظ بها في مكتبة الكلية دون أن ينظر إليها أحد. أما المهندس
(بشار عبود)
فيقول: إن الجهات المسؤولة عن التعليم العالي تدرك حقيقة الهدر فيمشاريع التخرج
لكنها لم تبادر حتى الآن في إعادة النظر بكيفية أن يستفاد المجتمع منجهد ووقت آلاف
الخريجين من خلال مشاريع التخرج بالرغم من طرح مبدأ ربط التعليمبالمجتمع. ويشرح (مازن
منصور) عن صورة حلقات البحث والمشاريع والأبحاث العلميةفي جامعاتنا بأنه
من المفروض أن يستفاد منها المؤسسات والشركات وخاصة الشركاتالعامة لكن هذا لا
يحدث فحتى المؤسسات لا تدرك أهمية ذلك فهي تطرد الطلاب الراغبينبالقيام ببحثهم
ضمنها خوفا من انكشاف عيوب هذه المؤسسات وأن تتسبب في فضحالسلبيات. لا توجد متابعات
إعلامية للمجلات العلمية هنالك مشكلة
بقوانينبراءة الاختراع في سورية من هنا كان اللقاء
مع الدكتور(أنطوان لحام) عميد كليةالصيدلة في جامعة
دمشق الذي أكد وجود الخلل في بعض الزوايا لكن العبء لا يقع علىالجامعة وحدها
فالإعلام مقصّر أيضا فيقول: هنالك عدة محاور
أولها حلقات البحثوهي في الحلقات الدنيا
بالجامعة حيث يقوم بها الطلاب بالتعاون مع الدكاترة وهيعبارة عن مخطط
بحثي بالاستعانة بالمصادر، أما بالدراسات العليا فهو على شقين نظريوعملي أما بالنسبة
للعملي فيتم إنتاج تقارير وتسجل بالمجلات العلمية، وفيالماجستير يطلب من
الطالب كي ينال شهادة الدكتورا أن ينشر مواضيع بحثه في المجلاتالعلمية وهو
ينشرها على نفقته الخاصة والجامعة لا تتكفل بهذا النشر وهو مكلف له لكنلا ينال الشهادة
دون أن ينشر موضوعه حتى أن بعض المواضيع يمكن أن تنال براءةاختراع، وهنا
يوجد خلل واضح يعيق القيام بالأبحاث هو التكاليف الباهظة فعلىالجامعة أن تتكلف
على الأقل بنشر هذه الأبحاث في المجلات وهذا لا تقوم به أبدا،وأيضا يجب أن
أنوّه على موضوع هام هو أن قوانين براءة الاختراع غير واضحة ما يحرمالكثير من
الباحثين والمكتشفين براءة الاختراع، وهنالك الجزء الأخير وهو المواضيعوالأبحاث التي
يقوم بها دكاترة الجامعة كي يترفعوا في الجامعة و يقومون بنشرأبحاثهم ويستطيعون
الاستفادة منها، لكن الإعلام مقصر جدا في متابعة هذه الأبحاثالعلمية حتى أنه
في جرائدنا ومجلاتنا لا توجد صفحات مخصصة لنشر آخر الأبحاث العلميةفي سورية مع أنها
موجودة وفي الدول الغربية يتسابق الإعلام ويدفعون الأموال الطائلةلنشر الأبحاث التي
يقوم بها أبناؤها. أما السبب الآخر
لقلة الأبحاث العلمية (بالإضافة
إلى ما ذكر) هو عدم وجود أساتذة متخصصين بالأبحاث العلمية في سوريةلقلتهم ولقلة
الموارد وضيق الوقت وهذا ينعكس سلبا على أهمية وقوة المواضيع البحثية.
أما عن تهرب
المؤسسات فيقول د-لحام: بالنسبة لكلية الصيدلة فالقطاع الخاص يرحببالأبحاث التي
تجرى في مؤسساته فمن مصلحته ذلك كي يطور إنتاجه، لكن بالنسبة للقطاعالعام فيوجد مشكلة
بالتعامل معه تتعلّق بالروتين.
"يجب أن توكل
وزارة التربيةببحوثها في قسم البحوث
إلى الجامعة"
"قانون التفرغ
الجامعي هو قانون تفريغالجامعة من كوادرها" ويرى الدكتور
(مطاع بركات) كلية التربية وعلم النفس جامعةدمشق أن العلوم
الاجتماعية في بلادنا مازالت مهملة ما ينعكس سلبا على الأبحاثالعلمية، رغم
أهميتها الكبيرة، فهي تساهم في التعرف على الرأي العام في الدولةوتساعد الشركات
الضخمة والمؤسسات في الوصول إلى نتائج هامة على صعيد اختيارالموظفين بأسس
علمية والوصول إلى الطرق المثلى في الدعايات والإعلانات للمنتجاتبالإضافة إلى
الوصول لحاجات الزبائن الحقيقية، وكذلك دراسة أوضاع المؤسسة من حيثالتواصل وحل
النزاعات والبحث في أوضاع العاملين، لكن كل ذلك غير موجود في مجتمعنالأنه يجهل أهمية
ذلك أو لا يدرك بأنه يوجد لدينا كوادر قادرة على القيام بهكذاأبحاث، ما ينعكس
سلبا على البحوث في جامعاتنا حيث لا يوجد طلب عليها بالرغم من وجودالباحثين من طلاب
ودكاترة مع العلم أنه يتم أحيانا الاستعانة بخبرات أجنبية يوجدمنها الكثير في
سورية لكن غير معروفة، كل ذلك يساهم في قلة الأبحاث العلمية التيتقام أو القيام
بأبحاث لا أهمية لها حيث توضع على الرفوف، وعدم أهميتها بأتي منكونها ليست لصالح
مؤسسة أو شركة معينة بل تقام بشكل اعتباطي، ويؤكد د- بركات: أنهفي سورية تربط
الجامعة عن المجتمع مقابل ربطها مع المجتمع، مع أنها تقدم الأفضلللمجتمع والاقتصاد
والسياسة الخ فمثلا الجانب الاجتماعي للاقتصاد يفعّل بالدراساتوهذا بدوره يساهم
بصنع اقتصاد متين، لمعالجة الخلل يجب أولا أن توكل وزارة التربيةببحوثها في قسم
البحوث إلى الجامعة وهي من المفروض أن تكون مستقلة وثانيا القانونالمتبع في الجامعة
وهو قانون التفرغ الجامعي يكاد يكون قانون للتفريغ الجامعي وليسالتفرغ لأنه يساهم
في تسرب الكوادر خارج الجامعة فيمنع على الدكتور العمل خارجالجامعة وإذا عمل
يفرض علية أن يتقاسم مع الجامعة ما عمل به ما يؤدي إلى هروب ذويالخبرة من
الجامعة، ثالثا الروتين الذي تعاني منه جامعاتنا عند قيامها بالبحوثالعلمية، مع أنه
يجب أن تكون الجامعة مكان يتعاقد فيه لإجراء البحوث لصالح المؤسساتومن المفروض
القيام بالبحوث المستقلة لصالح الجهات الخاصة والعامة في مجتمعنا.
قد تكون الآراء
مختلفة في النظر إلى وضع الأبحاث العلمية وحلقات البحث ومشاريعالتخرج في سورية
لكن الكل متفق على انه يوجد خلل يعيق الوصول إلى أهداف إستراتيجيةالبحث العلمي التي
وضعتها الجامعة وهي ربط البحث العلمي بمراكز الأبحاث ومراكزالإنتاج وبالتالي
عدم ربط الجامعة بالمجتمع، وهو الطريق للوصول إلى رفد الجامعةبالموارد المالية
ورفد الاقتصاد الوطني والقومي بالموارد المالية التي تدعمه مايعطي دورا أقل
أهمية للجامعات في بلادنا، وعلى الإعلام أيضا جزء من هذه المسؤوليةحيث أنه ربما قصر
في الإضاءة على هذا الجانب وعدم الوعي لأهمية الأبحاث التي تقامفلا يقوم بنشرها
والاهتمام بها إعلاميا الذي يساهم حتما في دعمها والتعرف عليها منقبل المهتمين
والتعرف على الكوادر الموجودة في الجامعات. هنالك قوانين
وآلياتعمل تتعلق بالروتين
وأفكار مسبقة تتمحور حول تحديد دور الجامعات بأنها فقط مكانللتلقين ونيل
الشهادات كل ذلك يجب العمل على تغييره كي تأخذ جامعاتنا حقها ومكانتهاالتي تستحقها
ويستحقها أبناء مجتمعنا السوري بين جامعات العال