]  أخلاقيات الوظيفة    [
 

  

نبيل دولماية

 

   نفترض في الموظف العام الرغبة بالسلوك الايجابي في مجال الخدمة في وظيفته العامة ، واحترامه لذاته وللآخرين من زملاء له في الوظيفة العامة من جهة  ولمراجعي المؤسسة العامة من جهة أخرى.

 ونفترض أيضا  أن الموظف العام يغلّب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية  مع الحفاظ على مصالح الوظيفة  وحقوق الموظف .

 ولا أظن أن مراجعاً لمؤسسة يرغب في  غبن أو انتهاك أو عرقلة لحاجته في هذه المؤسسة  ولا الضرر بحقوق الوطن والمواطنة .

ولكن ، قد توجد ممارسات سلبية  لبعض الموظفين تؤثر على مستقبل المؤسسة  كما تؤثر أيضاً على حقوق العملاء  والمواطنين بتعاملهم الإجباري أو الكيفي مع هذه المؤسسة .

وعندما تكون المؤسسة عائدة للقطاع العام  يكون الضرر الأوضح على المواطن المتعامل مع هذه المؤسسة  وان كانت السلبيات تعود بالضرر على الوطن ككل سواء أكانت السلبيات في القطاع الخاص أو العام .

ولا شك أنه في كل مؤسسة لوائح ونظم تكفل سير  العمل بالشكل السليم  الذي  يحقق غاية المؤسسة  والذي يحفظ   أيضا حقوق المراجعين  وبنفس القدر حقوق الموظفين[1]  ، ولكن اللوائح والأنظمة قد لا تطبّق بشكلها الصحيح دوماً .

وفي هذا المقام لسنا بصدد الحديث عن نجاعة القوانين  واللوائح والأنظمة وحسن أو سوء تطبيقها والحرص على سيادة القانون وان كان هذا أمل كل مواطن .

وإنما نحن بصدد الحديث عن الأخلاقيات ، ولسنا هنا في مرمى طوباوي بل واقعي وسلوكي نابع من أخلاق تتفق مع الحس الإنساني السليم وهذه الأخلاقيات التي تنبع من دواخل الإنسان المتعقل ، فهي مجموعة القواعد والمبادئ المجردة التي يخضع إليها الإنسان تصرفاً  ، وهي مصدر قياس سلوكه الايجابي أو السلبي .

وفي مجال الوظيفة نتحدث عن أخلاقيات العمل والأخلاق[2]  هي: مجموعة القواعد والمبادئ المجردة التي يخضع لها الإنسان في تصرفاته، ويحتكم إليها في تقييم سلوكه ، وتوصف بالحسن أو بالقبح.

فالخلق صفة مستقرة لا عارضة؛ لأن الإنسان قد يتلبس ببعض الصفات غير الثابتة لموقف معيَّن، كالكرم، أو الخوف، أو الغضب، أو غير ذلك ، في حين أنه إذا رؤي في الأحوال العادية تظهر منه الصفات الحقيقية التي قد تخالف هذه الصفات.

وهذه الصفة المستقرة لها آثار سلوكية، فالسلوك ليس هو الخلق، بل هو أثره وشكله الظاهر ، والمبادئ تعدّ أساساً للسلوك المطلوب لأفراد العمل ، والمعايير التي تعتمد عليها الإدارة في تقييم الأداء  إيجاباً أو سلباً.

ولكل وظيفة أو مهنة من المهن قيم ومبادئ ومعايير أخلاقية ومعرفة علمية وأساليب ومهارات فنية تحكم عمليات المهنة وتحدد ضوابطها، وللمهنة مجالات متعددة ووظائف معينة، وقد تتداخل مجالات العمل والوظائف والمهارات وأساليب العمل  مع مهن  ووظائف أخرى، ولكن في جميع الأحوال على الموظف واجبات يجب أن يقوم بها  كونه بعمل  بالوظيفة ، ويجب أن يؤديها ليس فقط لأنه يتقاضى  راتباً من أجل القيام بأعماله ، بل أيضاً  بسبب الالتزام بأهمية  العمل الذي يقوم به ولسبب من أخلاق الموظف تجاه المصلحة العامة . ومن هذه الواجبات :

1-      أداء وإتقان العمل :

على الموظف أن يؤدي عمله على خير  وجه ، في الوقت  والمكان المناسبين والمحددين لذلك ، ويجب عليه أن يعرف مهامه بشكل جيد ويسعى لفهم عمله  والتكيف معه والاجتهاد في تقديم الخدمة من خلاله . ولا يمكن أن نتوقع أن يقوم آخر  بالعمل بدلا من العامل المسمى للعمل . ويجب على الموظف أن يعمل على تأهيل نفسه وتطوير مقدراته المعرفية  ومهاراته العملية  الخاصة  بعمله  فتطوير نفسه  سيطور مؤسسته ونوعية الخدمات المتوقعة منه . بالإضافة إلى الاستفادة الشخصية المتوقعة له .

2-       طاعة الرؤوساء :

لا بد للعمل من تنظيم إداري، ومن الطبيعي وجود رؤوساء للعمل ومرؤوسين . وقد توجد عدة طرق لإدارة الأعمال، ولكن المهم هنا على الموظف طاعة الرؤوساء وخاصة المباشرين منهم ، والعمل بتوجيهاتهم وتنفيذ أوامرهم .

وهذه الطاعة يؤخذ بها من أجل المصلحة العامة ، ولا يمكن لها أن تتجاوز الحدود الوظيفية  لتصل إلى الطاعة الشخصية .

ولا تعني طاعة الرؤوساء  تجاوز القوانين والشرائع  وفي حال الاختلاف مع موظف أعلى هيكلياً يمكن تنفيذ الأمر في حال كونه موثقاً وعلى مسؤولية  الموظف الأعلى .

والانتباه في حال مخالفة القانون أن القانون لا يعفي المخالف لسبب الجهل بالقانون أو طاعة الرؤوساء  وخاصة الأوامر غير الموثقة منها  أو التي تتعدى القانون أو النظام العام الذي هو  مجموعة من القواعد الجوهرية التي يقوم عليها المجتمع في أساسه سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية  أو الاقتصادية.[3]

وبهذا ننتقل إلى  واجب آخر من واجبات الموظف :

3-      احترام القوانين  واللوائح :

يشمل احترام القانون احترام الدستور والتصرف وفق التعليمات والأوامر ، ولا يجوز تجاوز القوانين لأي رأي من الآراء أو ظرف من الظروف .

4-      عدم إفشاء أسرار الوظيفة :

بطبيعة العمل الوظيفي قد يتعرف  الموظف على أسرار  الدولة أو المجموعات أو الأفراد وعلى الموظف أن يكون أميناً في المحافظة على هذه الأسرار  داخل وخارج نطاق العمل  وألا  يحتفظ بشكل شخصي بوثائق خاصة بوظيفته .

ويخضع تقدير سرية  المعلومات للقوانين المختصة  بهذه المعلومات  وفي حال مخالفة الموظف لأمانة  وسرية  المعلومات بتعرض الموظف للمسؤولية الأخلاقية  والجنائية .

5-      المحافظة على كرامة الوظيفة :

إن سلوك  وتصرفات الموظف في الوظيفة وفي حياته الخاصة محسوبة عليه وعلى الوظيفة التي يشغلها  ، ولهذا يجب على الموظف أن يمتنع عن كل ما يخل  بالشرف  والكرامة الخاصة به  وبالوظيفة التي يشغلها .

6-       عدم القيام بأعمال مهنية  أخرى :

العمل الآخر  حتى وان كان خارج أوقات الدوام يؤثر على إمكانيات الموظف الجسدية   ويخل بمكانة  الوظيفة  من ناحية الشكل  والمضمون ،ولا يفهم من هذا  أن الوظيفة أرفع مقاماً من أعمال  حرفية أو وظائف أخرى . ولا نستطيع أن ننكر  أن الحاجة والعوز في هذه الأيام أرغمت الكثيرين على تجاوز أنفسهم  وتجاوز قناعاتهم واضطروا للعمل بأعمال ووظائف أخرى وبدوام آخر ، وأصبح من المقبول أخلاقيا القيام ببعض الأعمال الإضافية لأصحاب بعض الوظائف حيناً ، وفي أحايين أخر ما يزال منافياً لأخلاقيات العمل أن يقوم الموظف بأعمال أخرى والأمثلة كثيرة .

7-      المحافظة على أوقات العمل :

يجب على الموظف الالتزام بأوقات العمل، فوقت العمل للعمل ، وليس من حق الموظف أن يضيع وقت العمل بغير خدمة الوظيفة ،  ويجب أن يتنـزّه الموظف عن استغلال القانون  بغير حق ليضيع الوقت ويتلاعب على  وقت العمل ، وإن بشكل  قانوني لصرف الوقت في غير محله .

8-      الحفاظ على المصلحة العامة :

دون التحيّز لأي موقف مسبق في اتخاذ أي قرار  وظيفي . فالخيار  الأول للموظف هو مصلحة الوطن ، فلا يأخذ الموظف  بالمحسوبيات  والواسطة . ولا تأثير على قرار من مزاج  أو  موقف عرقي أو سياسي أو ديني أو غيره .

9-      المحافظة على الممتلكات العامة :

كالسعي في تخفيض الإنفاق  ولكن ليس على حساب  نوعية الأداء والاستخدام الأمّثل للموارد وحسب اختصاصها .

 والحكمة في صرف المهتلكات من المواد وصيانة المواد الثابتة لضمان استمرارية الفائدة من إنتاجيتها ، واستخدام الأدوات بشكل رشيد وسليم والامتناع عن استخدام المواد الموجودة في المؤسسة لأسباب شخصية  أو غير متعلقة بالعمل الذي وجدت من أجله .

وترشيد استخدم الطاقة الكهربائية  والاتصالات السلكية  والتكييف ، واستخدام طرق المواصلات الأكثر كفاءة  والأقل كلفة .

10-السلوك المؤدب  واللبق مع المراجعين :

 واعتبار المراجع صاحب حاجة  والوظيفة وجدت  لتلبية حاجته .وتوعية  المراجع إلى حقوقه وواجباته في حاجته ، وتشجيع المواطن على احترام القوانين واللوائح  والتعليمات الصادرة  بخصوص حاجته في المؤسسة .

 واحترام المراجع كمواطن  والرغبة الحقيقية في مساعدته بشكل محايد وعدم عرقلته لأسباب شخصية  أو لأسباب  استغلاله ، والتعامل مع المراجعين بشكل رسمي  وموضوعي دقيق .

 

ورغم أن موضوعنا هو أخلاقيات الوظيفة والعمل ، إلا أنه نرى أن ننوه  بعض التنويه  إلى حقوق  الموظف- وهذا الموضوع جدير بالتوسعة فيه – تلك الحقوق  التي يكفلها القانون وتوضحها اللوائح ، وهي ليست مفصولة تماماً عن واجبات الموظف فبعض الواجبات ينتج عن بعض الحقوق .

ومن هذه الحقوق :

1-      المرتبات والأجور  :

أي الأجر الذي يتقاضاه الموظف لقاء قيامه بعمله ويدخل في حساب هذا الأجر  الأعمال الإضافية  التي يقوم بها الموظف  والتعويضات المختلفة  ومهام السفر . ويدخل في هذا الحق أيضاً القيمة المالية الناتجة عن الترفيعات في الفئات  والدرجات والتصنيفات الوظيفية  ، وبحسب القوانين المختصة وحسب قدم الموظف ومستوى أداؤه لمهامه .

وقد يتقاضى  الموظف أحيانا منحة مالية خاصة كثواب لعمل أو اجتهاد ما .

2-      الترقيات الإدارية :

ومن حقوق الموظف أيضاً شغل المناصب الإدارية الأعلى من حيث الترتيب الهيكلي ، وقد تعود هذه الترقية بنفع مادي أكبر رغم أن هذه الترقيات  ذات صبغة  إدارية  وشكلية  أكثر منها مادية ، ويجب أن يعود سبب الترقيات إلى الكفاءات العلمية ولوجود الشواغر  وطريقة تنظيم العمل والخبرات والشهادات  ومتطلبات العمل .

3-      الاجازات بأنواعها :

الإجازات حق من حقوق الموظف العام  تحفظه الطبيعة  والقانون  وهي مصنفة ومقننة  كالإجازة المرضية والإجازة العرضية  والإجازة السنوية  والإجازة بدون أجر  وغيرها

4-      حماية القانون للموظف في عمله :

 قد تتضح الحاجة لهذا الحق في بعض الوظائف أكثر منها  في وظائف أخرى  وعلى العوم يحمي القانون الموظف أثناء قيامه بمهامه مما يمكن أن يهدد أمنه أو جسده أو كرامته أو رأيه .

5-      التعويض المالي  أو المعنوي :

من حق الموظف أن يعوض تعويضاً مالياً عن إصابة  جسدية أو تأثر نفسي  أو معنوي حصلت له أثناء تأديته  لعمله .

لعل موضوع أخلاقيات الوظيفة من المسائل البديهية ، ولكن ما أحوج المجتمعات المتقدمة منها  والمتخلفة له ، وما أحوج المجتمعات التي أخذت وتأخذ بهذه الأخلاقيات ،  ولغيرها من المجتمعات التي تهدر كرامة الموظف والمراجع ولأسباب متعددة .

 

وكم من مرة وددّنا لو نشكر موظفاً يقوم بواجباته بضمير حي وأخلاقيات حميدة ومتميزة..

وكم من مرة  ُغبنّا واضطُهدّنا من موظف غير أخلاقي وبسبب من مكانته الوظيفية ..

 

والسؤال الذي سيبقى ، ما الدافع أو ما الرادع كي يبقى موظفنا العام في سورية الحبيبة أخلاقياً ؟


 

[1] المقصود بالموظف العام :  شخص يعهد إليه على وجه قانوني بأداء عمل في صورة من الاعتياد والانتظام ، وعلى نحو دائم في مرفق عام تديره الدولة إدارة مباشرة

[2] الخُلُق لغة: في القاموس المحيط "الخلق بالضم وبضمتين السَّجيَّة ، والطبع ، والمروءة ،والدِّين

واصطلاحاً: صفة مستقرة في النفس ذات آثار في السلوك محمودة أو مذمومة

[3] د. يونس ، علي حسن وآخرون ،  معجم القانون ، مجمع اللغة العربية ،  الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية ط ( 1 ) القاهرة ، 1420هـ / 1999 م ص 150

 

الصفحة الرئيسية