قانون الجنسية المنتظر.. هل سيلبّي تطلعات الأسرة السورية؟

كتبها Administrator الثلاثاء, 16 أغسطس 2011 23:28

طباعة

قانون الجنسية المنتظر.. هل سيلبّي تطلعات الأسرة السورية؟

رهادة عبدوش

14/ 08/ 2011

طالما تساءلت (ريما) عن مدى مواطنيتها في بلدها، فقالت هل حقاً- كما جاء في الدستور- أني كمواطنة أساوي الرجل في جميع الحقوق والواجبات؟ أم أن هنالك أموراً تتجاوزه، لا بل قوانين تتجاوزه؟ يلح عليّ هذا التساؤل كلما هاتفني أخي المقيم في الولايات المتحدة والمتزوج من أمريكية من أصول آسيوية وله منها ولدان لم يعرفا سورية قط، لكنهما سوريان، فقط لأن والدهما سوري، وبحق الدم اكتسبا الجنسية السورية، فدمه السوري سال في عروقهم ليمنحهم جنسية دولة لا يعرفان عنها شيئاً، فقد ورثا ذلك الحق، لكنني أنا لم أستطع أن أورث أولادي الحق نفسه رغم أني أعيش في سورية، وأولادي ولدوا وتربوا فيها، شربوا من مائها، تغذوا من أفكارها، وأصبح حلمهم نسيجاً من حلمها، وآمالهم تجسدت في آمالها!

لكن كل ذلك لم يشفع لهم بإعطائهم جنسيتي، فوالدهم ليس سورياً، ودم والدتهم ماء لا معنى له في الأضابير والأوراق الرسمية، وهم يتساءلون كل يوم متى سنصبح سوريين كما أولاد خالنا؟

وأنا أدور من مكان إلى آخر وأقرأ القرارات والمراسيم، أبحث عن نافذة أمل، فأُهزم كل يوم وأعود حاجزة حلمي في محفظتي، وعيون أبنائي تترقبني علّي أحمل خبراً سعيداً لهم فأحميهم من أيام صعبة يدركونها في كل معاملة وورقة وروتين. أبعد نظري عن ترقباتهم وأتلهى وألهيهم بأشياء صغيرة قد تعينني في الهروب من لحظات تدمعهم وتدمعني، لا بل تحرقهم وتحرقني وتحرق أجمل ارتباط بوطن أحبه وأخشى أن يخذلني، فقط لأني امرأة.

ألا يحق لي أن أتساءل بعد ذلك عن حجم مواطنيتي في بلدي؟

أما (ندى) وهي ابنة أم سورية وأب نيجيري و تعيش في سورية فتقول عن مشكلتها إنها استطاعت الدراسة في سورية، فالدراسة مجانية وقد استفادت من ذلك، لكن المشكلة ليست هنا إنما في التوظيف. والمضحك المبكي في الموضوع أنها درست في معهد ملتزم، وبالتالي يتوجب عليها أن تتوظف في سورية، وعندما قدمت أوراقها للوظيفة رفضت لأنها ليست سورية، وفي الوقت نفسه طولبت بالبدل عن السنوات التي درستها لأنها لم تعمل مقابل التزامها في الدولة، ما أدى إلى دفعها بدل التوظيف الذي تتمناه، لكن لا أمل لأنها ليست سورية.

وكم خسرت سورية من طلاب متفوقين كـ(ديفيد) المولود في اللاذقية من أب قبرصي وأم سورية، تعلم في المدارس السورية، ودرس في الجامعة وحصّل علامات تؤهله لمتابعة دراسات عليا، لكنه لم يتابع لأنه لا يحمل الجنسية السورية ولم يستطع الحصول على عمل وفقاً لمؤهلاته.

وأبطال مثل (أحمد عبد الخالق) المصري من أم سورية، بطل الجمهورية العربية السورية في رياضة الجودو، لكنه لا يمثلها في الخارج لأنه ليس سورياً، وخبرات مثل (آلاء الباشا) الشابة التي درست في كلية الآثار والمتاحف ولديها المؤهلات والإمكانات، لكنها لأب غير سوري ما يمنعها من العمل في قطاعات الدولة، وبالتالي حرمان الدولة من خبراتها وإمكاناتها المميزة.

كلها حالات وقصص كتبنا عنها مراراً وتكراراً، لكن لم نلمس نتيجة فعلية تساعدهم وتساندهم، وتحل مشكلتهم.

ترقب وأمل

واليوم نترقب صدور قانون يعطي المرأة السورية الحق في منح أبنائها الجنسية السورية بعد سنوات طويلة من العمل لأجل ذلك، فمنذ العام 2003 بدأت رابطة النساء السوريات حملتها للمطالبة بإعطاء المرأة السورية حقها في المساواة مع الرجل، بمنح أطفالها وزوجها جنسيتها، وجاء ذلك تناغماً مع حملة إقليمية بين لبنان وسورية والأردن ومصر وعدد من الدول العربية، لأنها تتساوى في حرمان المرأة من منح جنسيتها، كاتجاه ذكوري يرى حق الجنسية بالدم مرهوناً بالذكر دون الأنثى.. وقد تضامن مع هذه الحملة 35 نائباً في البرلمان السوري وتبنوا مطالبها عبر مشاركتهم في وثيقة التواقيع التي أطلقتها الرابطة، والتي رُفعت إلى رئيس مجلس الشعب في ذلك الحين. إضافة إلى الكتاب الذي رفعته الرابطة إلى السيد رئيس الجمهورية بتاريخ 1652006 المرفقة بعريضة وقع عليها الآلاف من المواطنين يطالبون بالتعديل، علماً أن عدد أعضاء مجلس الشعب السوري 250 عضواً، وبحسب الدستور السوري لتعديل القانون يجب موافقة خُمس أعضاء مجلس الشعب إضافة إلى موافقة رئيس الجمهورية.

ومن خلال الحلقات وورشات العمل التي أقيمت في سورية بالتعاون مع الاتحاد النسائي والهيئة السورية لشؤون الأسرة والتي شارك فيها عدد من الوزارات تبينت الآثار السلبية التي تنتج عن حرمان المرأة السورية المتزوجة من غير سوري من منح أطفالها وزوجها جنسيتها، خاصة عندما يكون موطن الأسرة في سورية، حيث تنشأ أسرة بلا جنسية سورية، وبالتالي أسرة تعد عالة على المجتمع في حال عدم قدرتها على العمل والتملك والتنقل بسهولة ومتابعة التعليم العالي وما إلى ذلك.. بينما في المقابل يستطيع الذكر أن يعطي أولاده الجنسية السورية ولو لم تطأ أقدامهم الأرض السورية، ولم يبنوا بينهم وبينها أية علاقة تواصل أو انتماء فعلي، فقط بموجب حق الجنسية بالدم.

وكانت الهيئة السورية لشؤون الأسرة -وهي جهة حكومية- بالتعاون مع الاتحاد النسائي وبعض المنظمات غير الحكومية في سورية قدّمت منذ سنوات دراسة لإزالة التحفظ الوارد على البند2 من المادة التاسعة من اتفاقية إزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) المتعلقة بمنح المرأة جنسيتها من خلال إعداد دراسات قانونية لإبراز التمييز في قانون الجنسية السوري، وتنظيم عدد من الورشات الحوارية لعدد من أعضاء مجلس الشعب. وقد اتفق الأغلبية على إزالة التحفظ الوارد على هذا البند، ورفعت الهيئة اقتراحاً إلى رئيس الحكومة السورية لرفع التحفظات للبدء باتخاذ الإجراءات التنفيذية لمواد الاتفاقية.

هذا التمييز طفا على السطح من خلال حالات عديدة وصلت إليها رابطة النساء السوريات بالاستبيانات وعرض حالات حقيقية، وبالتالي وصل الإعلام إلى أسر وعائلات عانت منذ عقود طويلة من أثر هذا القانون المجحف، ووصل أيضاً إلى نتيجة مفادها أن عدم الموافقة على إعطاء المرأة هذا الحق ليست له أية أسباب قانونية أو دينية أو اجتماعية، ما استوجب إعادة النظر بالموضوع، خصوصاً أن مصر عدّت قانونها بما يعطي المرأة حق منح الجنسية أسوةً بالرجل.

وتبرز خطورة المشكلة من خلال أرقام وزارة الداخلية التي تقول إن عدد النساء السوريات المتزوجات من عربي في عام 2006 وحده بلغ ألفاً وأربعمئة وإحدى وخمسين حالة، ما يعني أن هنالك الآلاف من محرومي الجنسية السورية منذ سنين طويلة. ووفقاً لتقدير مبدئي أعدّته رابطة النساء السوريات، وهي التي تقود الحملة في سورية، فقد بلغ عدد النساء السوريات المتزوجات من أجانب وعرب نحو (مئة ألف) امرأة. وانطلاقاً من تقديرات هيئة تخطيط الدولة في سورية والتي تحدد متوسط عدد أفراد الأسرة السورية بخمسة أفراد فإنّ هذا يعني أنّ نحو نصف مليون شخص يعاني آثار هذه المشكلة في سورية.

ما يعني أيضاً أنّ هنالك تجاوزاً للدستور السوري الذي ينص في المادة 25منه على أن (المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات)، وفي المادة44 على أن (الأسرة هي خلية المجتمع الأساسية وتحميها الدولة)، وتجاوزاً للاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها سورية كاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل في المادتين 7 و8 والتي نصت صراحة على وجوب تسجيل الطفل بعد ولادته فوراً، وأن يكون له الحق في الاسم واكتساب الجنسية والعيش ضمن أسرة آمنة. إضافة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص في المادة 15 منه على أن (لكل فرد حق بالتمتع بجنسية ما ولا يجوز حرمان أي شخص من جنسيته تعسفاً، ولا من حقه بتغييرها).

خاصةً أن محاولات التجنس بالطرق العادية هو أشبه بالمستحيل، فقد لجأ بعض الأفراد المولودين من أمهات سوريات وآباء عرب أو أجانب إلى التجنس العادي حيث يخضع الأجنبي للمادة الرابعة من المرسوم التشريعي رقم 276 لعام ،1969 ويخضع العربي للمادة 16 من المرسوم نفسه، والتي يتفق فيهما شرط أساسي هو كمال الأهلية والخلو من الأمراض السارية والعاهات. ما يعني أيضاً أن المعجزة تمت بالحصول على الجنسية، حرمان الأطفال والمرضى والمعوقين.

كمثال (طارق) المولود من أب تونسي وأم سورية، استطاع الحصول الجنسية السورية بالطريقة العادية كأي غريب يريد التجنس بعد سنوات من الانتظار تتجاوز العشر سنوات، فيما لم يستطع شقيقه المعوق اكتسابها حتى بهذه الطريقة غير المباشرة، ما جعل العائلة تتفرق كي يستطيع الأخ المعوق العمل والعيش، فأصبح بعضهم في تونس والآخر في سورية.

وهذا ما أكده معاون وزير الداخلية حسن الجلالي في تحقيق صحفي أجري معه عام 2008 إذ قال (منح الجنسية السورية لغير السوريين حتى بالطريقة العادية لا يتم إلا بصعوبة بالغة، فمنذ سنوات لم تعط الجنسية السورية لأحد).

وقد تبين ذلك من خلال بحث في ملفات الجريدة الرسمية منذ عام 2004 حتى الأشهر الأولى من 2008 فلم يلحظ أي مرسوم أو قرار لمنح الجنسية بطريقة التجنس العادي ولا حتى استثناء، علماً أنه بالمقابل توجد خمسون حالة أسبوعياً لمنح الجنسية بقرار من وزارة الداخلية للنساء المتزوجات من سوري، وهذا ما أكده أيضاً الموظف في دائرة النشر في الجريدة الرسمية إذ قال (لم ألحظ وجود قرار أو مرسوم منح الجنسية بالشكل العادي منذ سنوات عديدة مع أنه أسبوعياً تمر علينا أكثر من خمسين حالة لرجال سوريين منحوا جنسيتهم لنسائهم غير السوريات مهما كانت جنسيتهن عربية أم أجنبية).

ومع بداية 2010 أثير الموضوع مرة أخرى على طاولة النقاش في مجلس الشعب، لنلمح في هذه الأيام بوادر قانون لعلّه ينصف الأسرة والمرأة السورية، في أن يعطي المرأة حقها في منح الجنسية بموجب حق الدم أسوة بالرجل، وأن يعود بأثر رجعي لا أن يلتف على الحقائق والحق.

رهادة عبدوش