تقرير حقوقي مشترك حول الزلزال المدمر الذي أصاب عدة مناطق سورية في 6شباط2023

كتبها Administrator الخميس, 27 أبريل 2023 08:37

طباعة

تقرير حقوقي مشترك

حول الزلزال المدمر الذي أصاب عدة مناطق سورية في 6شباط2023

مقدمة لابد منها

تجاوزت الشهرين كارثة زلزال سورية وتركيا، وتحولت الأنظار إلى ما بعد الفاجعة، وبدأ الحديث عن خطط إعادة الإعمار والاهتمام بالناجين الذين خسروا بيوتهم في البلدات والمدن المتضررة.

ترك الزلزال الكثير من الضحايا والمتضررين، لكن السياسات المعقدة للمساعدات الإنسانية، خلفت الكثير من المواطنين المتضررين يواجهون مصيرهم بمفردهم.

في السادس من شباط 2023 ضرب زلزال مزدوج شمال غربي سورية وجنوبي تركيا لقد كان الزلزال كبيرا. وقدرت شدة الزلزال بـ 7.8 درجة، وكان مركزه قريبا من سطح الارض نسبيا، على عمق حوالي 18 كيلومترا، ما تسبب في أضرار جسيمة للمباني على سطح الأرض. ولكن، ليست قوة الزلزال فقط هي التي سببت الدمار الكبير بل توقيته حيث وقع هذا الزلزال في الساعات الأولى من الصباح، عندما كان الناس نائمين في منازلهم. كما أن متانة المباني كانت عامل مهم أيضا في حجم الضحايا والخسائر الناتجة عن الزلزال.

وأوضحت هيئة الكوارث والطوارئ الوطنية: أنها رصدت في تركيا ومحيطها حدوث حوالي 40الف زلزال وهزة ارتدادية في الفترة من 6 شباط الماضي إلى أواسط نيسان. وأظهرت أن معظمها وقع في منطقة شمال غربي سورية، وجنوب ووسط تركيا وأشارت إلى أن هذه الهزات الارتدادية طبيعية يمكن ان تستمر لمدة عام او عامين، وستتراوح قوتها بين 4 و5 درجات. (1)

أصيب غالبية السوريين بحالة من عدم اليقين، وسط استمرار ضخ الأخبار في وسائل التواصل الاجتماعي وتناقل أحاديث عن تحذيرات لزلازل أخرى اقوى واشد تدميرا ولفيضانات واعاصير بحرية ولتسونامي، بالرغم من طمأنة غالبية الاخصائيين والجيولوجيين داخل البلاد، بأن الأوضاع طبيعية ولا داعي للهلع للذعر، في وقت تزداد الحاجة لخطاب علمي واضح وبسيط، وشفاف مع استعراض كافة الاحتمالات، والتركيز على نشر التوعية بخصوص التصرف خلال الزلزال.

كانت معظم الخسائر بالأرواح في محافظات إدلب وحلب واللاذقية وحماه، ويمكن رصد حجم الدمار الكبير الذي خلفه الزلزال من خلال الشهادات الحية والموثقة لزملائنا في منظمات الفيدرالية السورية لحقوق الانسان ومن الصور والمقاطع المصورة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي التي تم نشرها في تركيا وسورية منذ اللحظات الأولى للزلزال وحتى الان.

تسبب الزلزال في انهيارات كبيرة للأبنية وسقوطها فوق رؤوس قاطنيها وسط صدمة الأهالي والناجين الذي هرعوا إلى الشوارع، وتزايدت التأثيرات الكارثية حيث كان مقابل كل ساعة تأخير في إيصال مساعدات منقذة، مثل المعدات الحديثة للاستكشاف أو المركبات والوقود، كان العشرات من المطمورين تحت الأنقاض يفقدون حياتهم، وينسحب الأمر على الجرحى الذين كانوا يحتاجون الى تدخلات عاجلة، فقد لقي آلاف الأشخاص مصرعهم وساهم الدمار الواسع والطقس البارد في إحباط معنويات الناجين والمنقذين على نحو متزايد.

نتيجة عدم السرعة وضعف الإمكانيات اللوجستية والفقر بأدوات الإنقاذ والتجهيزات الضرورية لمواجهة الكوارث وأكياس نقل الجثامين، ومعدات الفحص سواء للأحياء أو للوفيات. فلا يستبعد بقاء العشرات من جثث أخرى تحت الأنقاض. (3)

لقد طالت الأضرار الكثير من المناطق في غرب وفي شمال غرب سورية، وخرجت بعض المطارات من الخدمة، وتضرر عدد كبير من الطرقات، وتم تدمير خطوط التيار الكهربائي وبعض خطوط المياه الصالحة للشرب وبعض طرق المجاري الصحية المتضررة مسبقا إضافة الى البنى التحتية الخاصة بالكهرباء والمياه والمواصلات وأنظمة الصرف الصحي نتيجة الصراعات العسكرية التي امتدت لأكثر من اثني عشر عاما، أن الصعوبات كانت مضاعفة في مواجهة زلزال ضرب منطقة مدمرة أصلا. كل ذلك ادى إلى تدفق المساعدات إلى البلاد بكميات أقل وكانت خجولة وخائفة، لكن كان ينبغي على الأمم المتحدة أن تؤدي دور الضامن لمرور المساعدات الإنسانية بشكل آمن وتوزيعها بطرق أكثر فعالية. لقد أسهمت جغرافيا الكارثة وتوزعها بين دولتين إلى معالجتها بالضرورة كقضية واحدة، لكنها كشفت خللا بالغا في التعاطي الدولي والاممي مع الكارثة والمأساة السورية.

فمن جهة تم التمسك بأن يتم تسليم المساعدات الدولية للحكومة السورية كي تقوم بتوزيعها على المحتاجين والمتضررين من الكارثة، بمن فيهم سكان مناطق شمال سورية الذين لا تخضع مناطقهم لسيطرة الحكومة السورية، لكن من جهة أخرى فان المعارضة وبعض المنظمات الدولية شككت بأهلية الحكومة السورية للقيام بهذه المهمة، والتشكيك في نزاهة وعدالة بتوزيع المساعدات في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة والمعارضة. (2)

الكارثة الإنسانية المروعة التي عصفت بسورية وتركيا، تركت البقايا الاحياء القريبين والبعيدين مشلولين واثقلت ضمائر المراقبين والسياسيين لكن الحياة الحقيقية تصر على فرض منطقها الخاص، من خلال إضفاء الطابع الإنساني على السياسة وتسيس العمل الإنساني. إن هذا الزلزال، الأعنف من نوعه منذ أكثر من قرن، قد يمثل بداية مسعى لتفكيك قانون قيصر وعقوباته الظالمة والصارمة وجميع العقوبات غير المشروعة أحادية الجانب ضد سورية والسوريين، أن الدبلوماسية القت بأعبائها وتتطور في اتجاهات غير مرغوب فيها لبعض الجهات الدولية، وبدوافع إنسانية شاملة ويمكن استكشاف البعد السياسي وراء هذه الخطوات الإنسانية، وهذه ظاهرة مشروعة ومعروفة، وسورية ليست الأولى ولن تكون التجربة الأخيرة في هذا الشأن.

الزلزال كان لحظة مؤقتة، لكن تداعياته ستستمر لسنوات عديدة قادمة، والتعافي من آثارها ونتائجها ومحو آثار تدميرها سيستغرق عدة سنوات، فالتعامل لم يكن مع حادث سياسي سينتهي أثره خلال أيام، انما هو عملية ستستمر أشهر وأعوام قادمة، فالزلزال الذي حاصر عشرات الآلاف من السوريين سيكون عاملا سياسيا أساسيا.

ان سورية بمواطنيها واقتصادها اختنقوا بالفعل تحت نيران قانون قيصر وتكاليف الحرب في سورية وضدها، وما سببه الزلزال الكارثي لم يكن إلا من تفاقم الأعباء التي تحملتها سورية.

حول الطاقة التدميرية للزلزال الكارثي

قال علماء الزلازل إن الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية ومن أكثر الزلازل تسببا في وقوع ضحايا خلال السنوات العشر الماضية، حيث تسبب في صدع يمتد طوله لما يزيد على 100 كيلومتر بين الصفيحة الأناضولية والصفيحة العربية. (4)

كان مركز الزلزال على بعد 26 كيلومترا تقريبا شرقي مدينة نورداي التركية وعلى عمق نحو 18 كيلومترا عند فالق شرق الأناضول، وأطلق الزلزال موجات باتجاه الشمال الشرقي، مما تسبب في حدوث دمار في وسط تركيا وسورية.

وقع الزلزال عند الساعة 4,17 صباحا ومعظم الناس نائمين، وبعد 11 دقيقة من الزلزال الأول، تعرضت المنطقة لهزة ارتدادية بلغت قوتها 6.7 درجة، ووقع زلزال بقوة 7.5 درجة بعد ساعات، تلته هزة أخرى بقوة ست درجات في فترة ما بعد الظهر. ان مقاومة البنية التحتية كانت متفاوتة خصوصا في سوريا، لذلك، فإن إنقاذ الأرواح اعتمد على سرعة الإنقاذ والإغاثة. (4)

وقدر تقرير سريع للأضرار في سوريا أصدره البنك الدولي في 3\3\2023 أن زلزالي 6 شباط اللذين ضربا تركيا وسوريا، تسببا بأضرار مادية مباشرة في سوريا تقدر بنحو 5.1 مليارات دولار أميركي. كما قدر التقرير القيمة الحالية للرصيد الرأسمالي المتضرر والمدمر بحوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد شملت الأضرار الواسعة النطاق 4 محافظات، يعيش فيها نحو 10 ملايين من سكان البلاد.

ويقدم التقرير تقديرا واسع النطاق وأوليا للأضرار المادية المباشرة في سوريا وتوزيعها المكاني، من خلال منهجية مكتبية عن بعد، وباستخدام مزيج من نماذج الأضرار الناجمة عن الزلازل، ونماذج الأخطار الثانوية للفيضانات، بالإضافة إلى تقدير قيمة الرصيد الرأسمالي لمختلف الأصول والقطاعات. ونظرا لدرجة عالية من عدم اليقين فيما يتعلق بعدد من عناصر هذا التقدير الأولي، تتراوح تقديرات إجمالي الأضرار المباشرة باستخدام تكاليف الاستبدال بين 2.7 و7.9 مليار دولار أميركي. ولا يتضمن التقرير الآثار والخسائر الاقتصادية التي لحقت بالاقتصاد السوري في نطاقها الأوسع، مثل تعطل الإنتاج أو أنشطة الأعمال، وفقدان الدخل، وتكاليف المساكن المؤقتة وتكاليف الهدم، والتي تتطلب تقديرا أكثر تعمقا. (5)

ويخلص التقرير إلى أن حلب التي يبلغ تعداد سكانها 4.2 ملايين نسمة، كانت أشد المحافظات تضررا إذ سجلت 45% من مجمل الأضرار التقديرية (2.3 مليار دولار) تلتها إدلب (بنسبة 37% أو 1.9 مليار دولار) واللاذقية (بنسبة 11% أو 549 مليون دولار). وقد تسبب الزلزال اللاحق الذي وقع في 20 شباط بأضرارٍ إضافية بالمناطق الحدودية في اللاذقية وإدلب وحماة وحلب، فيما كانت إدلب واللاذقية الأشد تضررا. ويبين التقرير أن استمرار الهزات الارتدادية من المرجح أن يرفع تقديرات الأضرار بمرور الوقت. (5)

وتمثل الأضرار المباشرة للمباني السكنية حوالي نصف إجمالي الأضرار في المناطق المتضررة (بنسبة 48.5% من القيمة المتوسطة أو 2.5 مليار دولار)، في حين تشكل الأضرار في المباني غير السكنية (مثل المنشآت الصحية والمدارس والمباني الحكومية ومباني القطاع الخاص) ثلث الأثر الإجمالي (بنسبة 33.5% أو 9.7 مليارات دولار). وتمثل الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية 18% من إجمالي الأضرار (0.9 مليار دولار). ويشمل ذلك النقل والبنية التحتية الحيوية للكهرباء والمياه وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. (5)

وشملت تقديرات الأضرار التي لحقت بالقطاع السكني وغير السكني، والأضرار المباشرة التي لحقت بجميع المباني والإنشاءات، ومواقع الإرث الثقافي في حلب والمرقب وكوباني، إضافة الى أن تقدير الخسائر على صعيد مواقع التراث الثقافي يأتي أقل من قيمتها بنسبة عالية، نظرا لأن قيمة هذه الخسائر تعد معقدة ويصعب تقديرها كميا، علما ان عشرات الجثث مجهولة الهوية من ضحايا الزلزال في سورية، ربما تبقى مجهولة بالفعل إلى الأبد، حيث اضطرت الجهات المعنية لدفن العديد من الجثث دون أن تتمكن من تحديد هويتها، ودون أن يسأل عنها أحد.

الهزات الارتدادية

أثر استمرار الهزات الارتدادية على حركة الترميم في المنطقة، حيث تخوف الأهالي من بدء إعادة تأهيل المباني مع عدم توقف الهزات الارتدادية التي يمكن أن تهدم المباني المدعمة حديثا، والحاجة لإعادة تأهيل البنية التحتية والطرقات المتأثرة.

وترافق الزلزال مع عوامل جوية من أمطار غزيرة وثلوج كان لها أثر سلبي على عمليات الإنقاذ، وزادت احتمالية انهيار المباني.

وبعد الزلزال أقيمت عشرات المخيمات استجابة للكارثة، أضيفت إلى المخيمات العشوائية المنتشرة بكثافة في الشمال.

وأدت العاصفة التي هبت بعد أسبوع من الزلزال إلى اقتلاع وهدم81 مخيما تم انشاؤهم حديثا وتوزعت الأضرار بين المناطق بنسبة 18مخيما في منطقة إدلب، و20مخيما في منطقة ريف حلب و15 مخيما في حماه و20 مخيما في اللاذقية 8مخيمات في جبلة، وازدادت المخاوف مع استمرار العاصفة المترافقة مع هطولات مطرية غزيرة والتي زادت من نسبة الأضرار في المنطقة. (6)

يشار الى ان 85% من مخيمات الشمال السوري تعتبر أقدم من عمرها المتوقع وأكثر عرضة للتلف، وأقل مقاومة للظروف الجوية، وزاد الزلزال الذي ضرب المنطقة من معاناة الأهالي، وتضرر آلاف العائلات التي لجأت إلى خيام، وتفاقمت الأزمة في تلك المخيمات، بعدما اختار أصحاب المنازل التي لم تتأثر بالزلزال البقاء في الخيام خوفا من زلزال جديد، أو هزات ارتدادية يمكن أن تهدم ما بقي من المنازل. (6)

حول مجريات الإغاثة

لم تصدر الحكومة السورية تقريرا مفصلا حول الأحياء والمباني المتضررة بشكل كامل جراء الزلزال في محافظات حلب واللاذقية وحماة وادلب، باعتبارها مناطق منكوبة رغم مرور أكثر من شهرين على الكارثة.

واستنادا الى أحدث إحصائية وصلتنا، فقد وصل عدد المباني التي انهارت بشكل مباشر في المحافظات المنكوبة الأربعة وفي لحظة وقوع الزلزال إلى ما يقارب ال 470 مبنى سكني، إضافة الى 250مباني لمنشآت صناعية ومعامل وورشات. (7)

استنادا الى مصادرنا ومصادر عديدة متطابقة ومتقاطعة، أن عدد الأسر المتضررة جراء الزلزال بلغ نحو 172ألف أسرة بعدد أفراد تجاوز ال 4 ملايين شخص.

إن عدد الناجين الذين تم إنقاذهم من تحت الأنقاض وصل إلى16358 شخصا، بينما بلغ عدد المفقودين 529 شخصا. (7)

أن عدد المباني غير الآمنة للعودة وغير القابلة للتدعيم بلغ نحو 91623مبنى، بينما وصل عدد المباني التي تحتاج إلى تدعيم أو صيانة إلى نحو 125ألف مبنى.

أن الزلزال المدمر أسفر عن مقتل 9387ونحو 26500إصابة،631 اصاباتهم حرجة بقي الكثير منهم لفترات متفاوتة قيد العلاج في المشافي.

أن أكثر من 7500 مدرسة ومعهد تعليمي عام وخاص، و360خزان مياه للشرب، و116 بناء حكوميا، تضرروا جراء الزلزال، في حصيلة غير نهائية. (7)

وتم إخلاء نحو4000منزل بعموم المناطق التي أصيبت بالزلزال، بين سكن شعبي وطابقي، في حين تم هدم 988مبنى آيلا للسقوط حفاظا على الأرواح، في حين يتم استكمال المسح للمباني بالتنسيق بين لجان السلامة الإنشائية ولجان الدعم الفني.

يذكر أن توزيع المواد الإغاثية تم استنادا إلى قواعد البيانات الاولية المنجزة للأسر المتضررة وبتكامل التنسيق بين الجهات المكونة لغرف العمليات المنبثقة عن اللجان الفرعية للإغاثة مع مختلف الهيئات المحلية والانقاذيةعلى بذل الجهود والوصول للمتضررين بأسرع وقت وفق الأولويات والمعايير المعتمدة وآلية المنح لذلك متضمنة الاستلام والتوزيع.

وعقب ساعات قليلة من كارثة الزلزال، شرعت العديد من الدول أبواب الدعم والمساعدات أمام الحكومة السورية، معلنة استعدادها لتقديم دعم إنساني، ووصلت العشرات من الطائرات المحملة بالمواد الإغاثية من الامارات وإيران والجزائر ومصر وعمان ومئات الشاحنات المحملة بالمواد الطبية والإغاثية من الأردن ولبنان والعراق، وإعلانات كثيرة عن تخصيص تمويل لسورية وتركيا. (1-2)

كما خصص الاتحاد الأوروبي تمويلا بقيمة 3.5 مليون يورو للمتضررين في كل المناطق السورية، بعد تلقي طلب من دمشق يخص ذلك، إلى جانب إعلان أمريكا تخصيص 85 مليون دولار كمساعدات إنسانية عاجلة لمنكوبي الزلزال في سورية وتركيا. وكاستجابة للكارثة، أصدرت السلطات الأمريكية والأوروبية والبريطانية إعفاءات جزئية من العقوبات ولتوقيت محدد. (1-2)

أسهمت جغرافيا الكارثة وتوزعها بين دولتين إلى معالجتها كقضية واحدة، وكشفت خللا بالغا وغبنا واضحا في التعاطي الدولي والاممي مع الكارثة ومأساة السوريين.

حول تأخر مساعدات الأمم المتحدة بالوصول

وفق تصريحات إعلامية لمسؤولين أممين، ومحامين بارزين وأساتذة وقضاة متقاعدين في محكمة العدل الدولية ومسؤولين قانونيين سابقين بالأمم المتحدة وخبراء في القانون الدولي الإنساني:

إن تأخير الأمم المتحدة في تقديم المساعدات المنقذة للحياة للضحايا السوريين في الزلزال المدمر في شهر شباط 2023: لم يكن ضروريا وكان بإمكانها تطبيق تفسير أوسع للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. وأوضح الجميع أنه كان من الممكن منع الوفيات، لو استخدمت الأمم المتحدة تفسيرا مختلفا للقانون الدولي للسماح لها بالاستجابة في شمال غرب سورية. بعدما أثارت قضية التأخير الكثير من الانتقادات، فقد اعتبرها عمال إغاثة سوريون دليل تخاذل كبير لتقديم المساعدات الإنسانية عبر حدود دولية، في حالة عدم وجود قرار ملزم من مجلس الأمن في سورية وكان من الممكن الحصول على مناقشات أكاديمية لأسابيع وشهور وسنوات حول القانون الدولي، والقانون الدولي لن يؤخر عمل الاغاثة. (2-8)

بالإضافة إلى ان تقديم المساعدات نفسها، حيث تلعب الأمم المتحدة أيضا دورا حيويا في تنسيق جهود الإغاثة الدولية التي تقدمها الدول الأخرى بعد وقوع كارثة طبيعية.

وهي ترتب عمليات البحث والإنقاذ من خلال برنامج الأمم المتحدة لتقييم الكوارث والتنسيق إذ يمكن لفرق هذه الجهة الانتشار في أي مكان في العالم في غضون 12 إلى 48 ساعة من الطلب، وهو ما حدث في تركيا. اما في سورية وخلال شهر شباط الماضي فقد استغرق الأمر أسبوعا قبل أن يتم فتح معابر حدودية إضافية.

ما يهم من حيث الاستجابة للزلزال هو الوقت وسرعة الاستجابة، وقد وقفت الأمم المتحدة هناك مشلولة تماما وكان من الممكن أن تتصرف بشكل مختلف.

ووفق البيانات الأممية أسفرت كارثة الزلزال عن مقتل ما لا يقل عن 9000 انسان في سوريا ككل، وأصيب أكثر من 9000 آخرين في شمال غرب سورية. وكان أكثر من 12 مليون مدني في سورية يواجهون بالفعل أزمة إنسانية خطيرة حتى قبل الزلزال. فقد أسفر الزلزال المدمر عن عدد مروع من الضحايا، وضرر كبير في البنى التحتية، وما خلف هذا العدد من فقد للمعيل للعائلات وارتفاع حالات اليتم التي كانت ضخمة أساسا، وكذلك ارتفاع أعداد المصابين إلى ما يقارب 9000 أغلبهم بحالات حرجة تعرضت للبتر أو الإعاقة وما تبع ذلك من انتشار حالات الفقر والعوز والبطالة، بالإضافة لذلك هو عدد النازحين الموثقين ضمن مراكز الإيواء، والذي تجاوز75 ألف شخص، تشكل شريحة النساء والأطفال 65%منهم، بالإضافة لأعداد العائدين إلى الشمال السوري من تركيا، والذي وصل لأكثر من 80 ألفا، مما زاد حجم الحاجة للكثير من الأولويات الإنسانية على وجه السرعة.

فقد تضرر ما لا يقل عن 300 مرفقا صحيا من الزلازل في سورية، وأكثر من 600 مركزا من المراكز الصحية بحاجة إلى الوقود أو الأدوية.

وظهر الأثر الكبير للمبادرات المجتمعية السورية خلال الأيام الثلاثة الأولى من وقوع الزلزال، في ظل الارتباك أو العجز الحكومي، والتردد الدولي في تقديم يد العون بعد أن سمحت المعطيات السياسية بذلك. (1)

وتم تجهيز مراكز إيواء جديدة إضافة إلى تجهيز المواقع المقترحة لإنجاز وحدات سكنية مسبقة الصنع للأسر المتضررة على الأمد المتوسط، كما تم تقدير الأضرار في شبكات الخدمات والمرافق العامة.

ان عملية إيواء المتضررين من الزلزال منذ البداية أخذت شكلا أكثر تنسيقا، من دون أن تختفي الفوضى بشكل جذري، وحاولت بعض المنظمات الاهلية والاغاثية وضع قاعدة بيانات واضحة للمتضررين من اجل تسهيل عملية تقديم المساعدات، بعد ان انقذت مئات الآلاف في استجابتها العاجلة.

وبعد مرور أكثر من أسبوعين على الكارثة، بقي كثير من أنقاض الأبنية المنهارة في مكانها، وكثير من المباني المتضررة والآيلة للسقوط في انتظار مصيرها، بينما استمر الفزع عنوانا لحياة سكان المدن المنكوبة والمتأثرة بالزلال.

ساد الاضطراب والفوضى والعشوائية وأدى الى غياب شبه تام للمؤسسات الحكومية في مناطق كثيرة تعرضت للزلزال، باستثناء فرق الدفاع المدني التي كانت الأسرع في الاستجابة وإنقاذ ما يمكن لهم إنقاذه من المصابين وجثث القتلى، حيث كان عداد الضحايا في تزايد وفي حالة ارتفاع مطرد يوما بعد يوم، من قتلى، وإصابات، ومفقودين، وكذلك المباني المنهارة كليا وجزئيا، ما أعاق وضع إحصائية لو شبه نهائية حتى الان. لكن الأرقام كلها بعشرات الآلاف.

على الأرض، توزعت فرق الدفاع المدني على البلدات التي ضربها الزلزال، كما جاءت خدمات الإسعاف والفرق المتخصصة عن البحث والإنقاذ، وآليات رفع الأنقاض وإعادة الحياة، وأخرى لتأمين العائلات التي أمست دون مأوى. فمنذ الساعات الأولى التي أعقبت الزلزال، اتضح حجم الكارثة التي عدت إحدى النكبات الأشد على مستوى العالم، وأدركت فرق الدفاع المدني قلة إمكاناتها وصعوبة السيطرة على هذه الأزمة، فأطلقت مناشداتها إلى الخارج والداخل للحصول على دعم إضافي. أن أسباب الوفيات تنوعت بين إصابات في الرأس وإصابات صدرية، إضافة إلى حالات لأشخاص قضوا باحتشاء العضلة القلبية نتيجة الخوف والهلع. بغض النظر عن كل شيء، يؤكد ما حدث في تركيا وسورية، عجز الإنسان وضعفه أمام الظواهر الطبيعية، وضرورة تلاحم البشرية لمواجهة الكوارث الطبيعية، التي لا تستطيع دولة بمفردها التعامل معها ومواجهتها. (3-8)

وتعرض معظم الناجين من تحت الأنقاض لمرض أذية الهرس، وهي حالة مرضية خطيرة جدا، نتيجة تعرض أطرافهم وأجزاء من جسمهم للضغط، وفي حال لم يتم تدبير حالتهم الصحية بشكل مناسب تنتهي بهم الحالة بقصور كلوي، قد يودي بالحياة، ويستلزم الخضوع لجلسات عاجلة لغسل الكلى. بشار الى ان متلازمة الهرس، أو أذية الهرس، هي حالة مرضية تنتج عن صدمة جسدية ناتجة عن الضغط المطول على الجذع أو الأطراف أو أجزاء أخرى من الجسم. يمكن أن تكون الإصابة في الأنسجة الرخوة والعضلات والأعصاب ناتجة عن التأثير المباشر الأولي للصدمة أو نقص التروية المرتبط بالضغط، بالإضافة إلى الإصابة المباشرة المحتملة للعضلات أو الأعضاء. (4-9)

أن الزلزال فاقم الأوضاع المعيشية لجميع المتضررين في ظل النقص الحاد من المساعدات الإنسانية، وهو الأمر الذي حذر منه الكثيرين على منصات التواصل الاجتماعي خاصة وأن الكثير في مخيمات النازحين التي تضررت من الكارثة، تأوي الفارين من القتال والمعارك العسكرية، وتحتاج العائلات المتضررة إلى مواد غذائية ومياه الشرب وتأهيل المأوى، وتأمين مستشفى ميداني يحوي غرفة عمليات جراحية، وتأمين أغذية الأطفال والحليب، وما يلزم للأمهات ورعايته.

وفي ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية وتزايد الاحتياجات الطبية نتيجة تذبذب الدعم، واجه القطاع الطبي في كل المناطق السورية تحديات كبيرة في توفير الأطراف الصناعية، حيث اعتبر توفير الأطراف الصناعية معضلة كبيرة واجهها القطاع الطبي في كل سورية على مدار السنوات الماضية، هذه المعضلة أعاد الزلزال الحديث عنها مجددا مع تفاقم الإصابات بـ متلازمة الهرس لأشخاص ظلوا عالقين تحت الأنقاض لساعات طويلة، ما يعرضهم لخطر بتر الأطراف. إن الحاجة تفاقمت بعد الزلزال، وهنالك أذيات هرسيه أصابت أطفالا ونساء ورجال. حيث أن بتر الأطراف كان يقتصر خلال السنوات الـ 12 الماضية على مصابي الحرب والمصابين بداء السكري، إلا أنه تضاعف بسبب الزلزال وما سببه من حالات هرس للأطراف. يشار الى أن الضغط لفترة طويلة على الأطراف يؤدي إلى تهشم العظام وتدمر العضلات، بحيث يخرج منها مواد سامة تنتشر في الدوران الدموي وتؤدي إلى قصور كلوي، ما قد يعرض المصاب لخطر البتر أو الوفاة، يحتاج المصاب فورا لغسيل كلية إسعافي، وأحيانا قد يحتاج لعدة جلسات للشفاء. (9)

لقد احتاجت كل المناطق التي أصيبت بالزلزال إلى الأدوية المتنوعة والمستهلكات الطبية الكثيرة، أبرزها معدات الجراحة العظمية، وجهاز تصوير بالرنين المغناطيسي. فالمستشفيات استهلكت كل مخزوناتها من المعدات الطبية لعلاج ضحايا الزلزال. إن نزوح عشرات الآلاف أدت إلى زيادة هائلة في تفشي الكوليرا وخاصة في المناطق التي تعاني شحا في المياه، إضافة إلى زيادة حالات الإصابة بأمراض أخرى. حاول العديد من النشطاء تسليط الضوء على الخسائر التي تسبب فيها الزلزال، خصوصا أن الكثير من الأبنية في تلك المناطق تضررت بشدة جراء القصف خلال السنوات الماضية، يضاف الى ذلك، وجود عقبات متعلقة بعدم توفر المعدات والأجهزة الطبية الحديثة، خاصة بالنسبة للأمراض المستعصية ووحدات غسيل الكلى، حيث أصبحت المعدات متهالكة ومستهلكة في كل سورية نتيجة الحرب والعقوبات بعد سنوات طويلة من الاستخدام. وتضاعفت معاناة القطاع الطبي، ما افترض مواجهة حدث دموي كارثي وبإمكانيات ضعيفة، أثقلها عقد كامل من الحرب والعقوبات المجحفة وضعف الاستجابة الدولية. (4-9)

بعد فقدان الأمل تقريبا في العثور على ناجين، توقفت عمليات البحث، وأصبحت الأولوية تتمثل في توفير المأوى، والتدفئة، والمواد الإغاثية، والمياه النظيفة للناجين من الزلزال، والذين باتوا بحكم المشردين، وأن الفترة المقبلة سيتم التركيز فيها على إعادة تأهيل المباني المتضررة، ودعم المؤسسات، وتوفير الخدمات.

حول التأثيرات الاقتصادية وغلاء الأسعار الفاحش

لم تكد تمضي أيام على حادث الزلزال المدمر في السادس من شباط 2023، حتى ارتفعت أسعار معظم السلع في الأسواق السورية بنسب قياسية، مفاقمة معاناة السوريين، وتراوحت نسبة ارتفاع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية من 20 إلى 40%، في حين ارتفعت أسعار بعض السلع إلى 80 و100% في ضوء ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة، ليسجل سعر صرف الدولار 7350 ليرة بتاريخ 20 شباط الماضي.

واتت موجة من الغلاء وسط فوضى تداعيات الزلزال وازدياد الطلب على مختلف السلع الغذائية لإغاثة المنكوبين في مناطق متفرقة من سورية، وتزامنا مع أسوأ واقع معيشي يواجهه السوريون منذ اندلاع الأزمة قبل نحو 11 عاما.

إذ ارتفعت أسعار معظم أنواع الخضرة في الأسواق، ليسجل سعر كيلو الباذنجان والكوسا 5 آلاف ليرة بدلا من 2500 ليرة، في حين بلغ سعر كيلو البطاطا 4500 ليرة، بينما سجل سعر كيلو البصل 12 ألف ليرة بدلا من 6 آلاف ليرة سورية. وطال الارتفاع أسعار الحبوب التي يعتمد عليها السوريون في معظم وجباتهم، فتراوح سعر كيلو الأرز بين 10 و15 ألف ليرة، وسجل سعر كيلو العدس 11 ألفا ليرة سورية، وبلغ سعر كيلو البرغل 8 آلاف ليرة سورية.

بينما سجلت اللحوم بجميع أصنافها ارتفاعا قياسيا في أسعارها، وتجاوز سعر كيلو بعض الأصناف كلحم العجل والغنم حاجز 70 ألف ليرة بعد أن كان ثمنه 50 ألفا ليرة سورية مطلع شهر شباط2023، في حين رفعت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك الحكومية السورية سعر لتر المازوت الصناعي إلى 5400 ليرة. (10)

ومن المعروف أن للزلزال -كأي كارثة طبيعية- أثرا على الاقتصاد من خلال تدميره المباني والمحلات والمنشآت الصناعية، وتجميده عددا من الأعمال والمصالح في المحافظات المنكوبة، ولكن في المقابل فإن السياسات التي طبقتها الحكومة السورية منذ بداية العام الحالي 2023 أثرها في هذا التضخم المتسارع الذي بات من الصعب السيطرة عليه. أن تحرير الأسعار، ومنع تداول الدولار وتشديد العقوبات على المتعاملين به وغيرها من سياسات الإنكار التي بدأت الحكومة متأخرة التخلي عنها تحت الضغوط الاقتصادية، إضافة إلى عدم تقديم تنازلات في المسار السياسي لرفع بعض العقوبات؛ كلها عوامل أسهمت في زيادة الأسعار.

وقال بيان لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة مطلع الشهر الجاري إن 70% من السوريين ربما لا يتمكنون في المدى المنظور من توفير الطعام لعائلاتهم. وأكد البيان أن هناك 12 مليون سوري لا يعرفون من أين ستأتيهم الوجبة التالية من الغذاء، وهناك 2.9 مليون آخرون معرضون لخطر الانزلاق إلى الجوع.

حول دور الاعلام

ان تدخل الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة في حالات الكوارث أصبح طبيعيا وحقيقيا، من الداخل إلى الخارج وبالعكس، ما يمنح الإعلام دورا مركزيا نظرا لسرعة الانتشار والوصول والتشبع ومستوى التأثير، وعجز الحكومات عن إخفاء المعلومات، كما كان يجري سابقا.

ومن اول يوم ذكر الاعلام بالإجماع ان الزلزال الذي ضرب تركية وسورية وان سبب أضرارا مادية كبيرة ووقوع عدد كبير من الضحايا، ومجمل وسائل الاعلام اكدت على ان العديد من المباني تعرضت لانهيار تام أو جزئي، وحدث الكثير من التشققات في الجدران والأعمدة التي ترتكز عليها الأبنية، ومع تكرر الهزات الارتدادية، أُجبر مالكو المنازل المتصدعة على اللجوء إلى مراكز الإيواء والخيام. وأضافت مختلف وسائل الاعلام انه تم انشاء العديد من مراكز إيواء ومخيمات معظمها في مناطق متضررة من الزلزال، وتتشابه حال معظم أصحاب البيوت المتضررة في سورية جراء الزلزال، من ناحية غياب القدرة المادية على الترميم، أو وجود حلول اوخيارات بديلة للسكن بعيدا عن الخيام أو مراكز الإيواء المؤقتة.

وفي كل يوم كان يتم ذكر عدد الأبنية المتصدعة جراء الزلزال والابنية التي تعرضت لانهيار بشكل كامل وعدد العائلات المتضررة بشكل مباشر، والعائلات المتبقية التي لجأت الى مراكز الإيواء لأن منازلها لم تعد صالحة للعيش، والى المناطق التي تحتاج لإعادة تأهيل البنى التحتية، منها الصرف الصحي وشبكات المياه، والاشارة الى أعمال التأهيل التي جرت لبعض خزانات مياه لتدعيمها وإعادة تفعيلها.

ونشرت وسائل الاعلام معلومات عن تشكيل لجان هندسية لتقييم وكشف المباني المتضررة من الزلزال، وذلك بالتنسيق مع المجالس المحلية للاستجابة الطارئة.

وتم نشر تفاصيل عن اللجان وذكر أن كل لجنة يرأسها ثلاثة مهندسين (استشاري، مدني، إنشائي)، بالإضافة إلى لجنتي السلامة العامة التي تضم كل منهما خمسة مهندسين استشاريين، وعملت تلك اللجان ضمن خطة هندسية مدروسة وفق ثلاثة تصنيفات لكل منزل متضرر، هي البيت سليم أي صالح للسكن، أو متوسط الضرر، وبالتالي يتم إخلاؤه لحين الترميم، أو شديد الضرر، وهنا يعاد التقييم من قبل لجنة السلامة العامة لتقديم تقرير نهائي بالحالة الفنية للبناء، ثم يتم اتخاذ القرار بالإصلاح أو الهدم، وأجرت اللجان المختصة مسحا شاملا لمباني مختلف المدن المنكوبة.

حول الاضرار والاثار السلبية على عملية التعليم وعلى المدارس

لا يوجد رقم معلن لعدد المدارس المهدمة والمتصدعة والمتضررة في مختلف المناطق السورية. لكن ضررا كبيرا لحق بالمدارس في المناطق المتضررة، ووفق احصائيات متقاطعة فأن عددها بلغ 6500 مدرسة ومعهد تعليمي عام وخاص وأصبح 930 منها خارج الخدمة نهائيا.

واضطرت كثير من العائلات ممن تهدمت منازلها، أو أصبحت غير مؤهلة للسكن، للمغادرة إلى المناطق المجاورة نتيجة خوفهم من البقاء في مدنهم، وبات عدد من الطلاب منقطعين بشكل تام عن الدراسة، مع حالة نفسية سيئة نتيجة التجربة التي عاشوها، ما استدعى العديد من القائمين على الشأن التعليمي لمد يد العون لهم ومساعدتهم بتلافي ما فاتهم، وبدأ عدد من المعلمين والمعلمات في عدة مدن سورية غير متضررة من الزلزال بتقديم المبادرات التعليمية، لتعويض الفاقد التعليمي للطلاب الوافدين من المناطق المتضررة بعد الزلزال.

وبدأت المبادرات التعليمية بالانطلاق، ومساعدة الطلاب المتضررين من الزلزال في شتى المجالات. وتم تقديم العشرات من الطلبات للجهات المعنية للسماح لهم بإعطاء الطلبة المهجرين في المدارس غير المتضررة وفي المنازل وتقديم دروس مجانية لهم في كثير من المواد من الصف السابع حتى الشهادة الثانوية. بحيث كانت العملية التعليمية الانقاذية نظامية واستفاد أكبر قدر من الطلاب الوافدين من المناطق المنكوبة لتعويض الفاقد التعليمي وحتى نهاية العام. (12).

حول الاذيات التي أصيب بها الأطفال

للزلزال تداعيات نفسية على الجميع، خاصة الأطفال، باعتبارهم الفئة الأكثر ضعفا لعدم معرفتهم بما يجري وضعف قدرتهم على التعبير عنه، ما يضعهم تحت تأثير الخوف والقلق، وعبر الاطفال عن هذا الخوف والقلق بسلوكيات مضطربة وضمن درجات متفاوتة، وأن التأثير كان شديدا على الأطفال الذين عاشوا الحدث وتم إنقاذهم من تحت الأنقاض، والذين فقدوا أفرادا من أسرتهم، والذين أصيبوا إصابات طفيفة أو شديدة وتسببت بإعاقة جسدية، وان هذه الفئة من الأطفال معرضة للإصابة بأعراض: كرب ما بعد الصدمة، مما تطلب ضرورة توفير الرعاية النفسية المتخصصة لهم. أما الأطفال الذين شاهدوا أحداث الزلزال ولاحظوا خوف الوالدين والهروب من المنزل لحظة وقوعه، وأولئك الذين تعرضوا للأخبار المروعة التي تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، وسمعوا الحديث ضمن الأسرة عن أهوال الزلزال والأشخاص الذين فقدوا حياتهم، ولوحظ لدى العديد منهم مجموعة من التظاهرات النفسية والمشكلات السلوكية، وظهرت ردود أفعال مثل: الخوف والقلق، اضطرابات النوم، الكوابيس، التعلق الزائد بالوالدين، مشاكل سلوكية، التبول اللاإرادي، العدوانية، ومشاكل عضوية هضمية، كان تأثير الزلزال كبيرا على الأطفال السوريين من الناحية النفسية، خاصة انهم قد تعرضوا سابقا لصدمات الحرب وتبعاتها، وظهرت أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، على هؤلاء الأطفال، ويمكن ان يواجهوا ما يسمى بـ الصدمات المركبة، حيث أن الأعراض وردود الأفعال تختلف من طفل لآخر، حسب العمر ومصادر الدعم الخارجي والصدمات السابقة.

ذلك ما استدعي ضرورة توفير احتياجات نفسية للأطفال السوريين عقب الزلزال، ومن بينها مساعدتهم على التعبير عن مشاعرهم وتحديدها، وإتاحة الفرصة أمامهم لفهم ما يحصل بطريقة مناسبة. إضافة الى توفير مساحات دعم آمنة للأطفال لممارسة أنشطة ترفيهية حركية، وضرورة طمأنتهم وتهدئة روعهم ومساعدتهم في العودة للروتين السابق المريح، وإكسابهم مهارات تساعدهم على تجاوز الذكريات المكربة والتحكم بها. أما بالنسبة للأطفال الأكثر تضررا والذين ظهرت عليهم أعراض متطورة، ما وجب إشراكهم ببرامج ممنهجة ومتخصصة ومناسبة للحدث الصادم، وضرورة خضوع الأطفال في أماكن الكوارث والحروب، إلى إسعاف نفسي أولي، ومن ثم تلقي جلسات علاج إذا لم يعد الطفل إلى توازنه النفسي، وذلك لضرورة إعادة الطفل إلى روتينه اليومي قدر الإمكان، بعد تأمين عنصر الأمان، والحاجة لطمأنته في حال عدم توفر الأمان مباشرة، بسبب الهزات الارتدادية التي تحصل عقب الزلزال، ويذكر انه قد وجدت فرص للدعم النفسي في مناطق شمال غربي سورية، لكنها لم تكن كافية وغير ملبية للاحتياجات. (7)

إن فرق الصحة النفسية عملت على استهداف مراكز الإيواء والمخيمات التي وصل إليها المتضررين من كارثة الزلزال، ضمن خدمة الإسعاف النفسي الأولي وضمن الإمكانيات المتاحة، بهدف تهدئة الناس وطمأنتهم وتوضيح خياراتهم للمرحلة القادمة وربطهم بالخدمات الأخرى.

إشارة لا بد منها حول العقوبات

على صعيد العقوبات لم يتشكل بعد تحالف اممي غير حكومي صلب وعابر للقارات، لتعزيز وتنبيه الرأي العام الدولي لخطورة هذه الجريمة، والتي يعتبرها البعض وسيلة مخملية مشروعة لتحقيق أهداف سياسية محددة.

رغم محدودية جدوى العقوبات ونتائجها الكارثية على المجتمعات التي تتعرض لها، وازدواجية المعايير من الدول التي جعلت منها سياسة عامة، وتعاني منها مجتمعات بأكملها، باسم معاقبة حكامها.

اننا نشجع الدعوات من اجل العمل على تشكيل تحالف واسع كمنظمات مدافعة عن حقوق الإنسان ومنظمات مجتمع مدني سورية وإقليمية ودولية لمناهضة ومواجهة العقوبات الاقتصادية الأحادية الجانب لتأثيرها الكارثي على المجتمعات في الدول التي تخضع لها، والعمل على تطوير مفهوم الأمن الإنساني، وتعزيز الادوار الحقوقية والمدنية وغير الحكومية في عمليات الوساطة والتفاوض في الصراعات الحادة والمقاومة المدنية في مواجهة التعسف والاستبداد ، والعمل على إعادة النظر في مفهوم التنمية وآليات عمل الهيئات الدولية والممولة ذات التوجهات الاستعمارية ، والعمل على ابتكار الأشكال العملية الممكنة لتحقيق الحد الأدنى من احترام الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في البلدان الفقيرة والأكثر فقرا، أن نظام العقوبات يترك آثارا كارثية على المجتمع والدولة. (13)

ونشير الى الاستثناءات الغربية للعقوبات على السلطة السورية في إطار الاستجابة لكارثة الزلزال في شباط 2023:

1- يسمح الاستثناء الأمريكي لمدة ستة أشهر، بجميع المعاملات المالية المتعلقة بالإغاثة من الزلزال التي كانت محظورة بموجب لوائح العقوبات السورية، ويشمل الترخيص الحوالات المصرفية عبر البنوك الحكومية.

2- تسمح تراخيص الاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر للمنظمات الإنسانية بنقل أو تقديم السلع والخدمات المخصصة للأغراض الإنسانية إلى الأشخاص والكيانات السورية المدرجة على قوائم عقوبات الاتحاد الأوروبي، دون حاجة إلى إذن مسبق من السلطات الوطنية المختصة في الدول الأعضاء.

3- يسمح الترخيصان الممنوحان من قبل بريطانيا لمدة ستة أشهر، بالأنشطة التي كان من الممكن أن يحظرها تجميد أرصدة مجموعات أو منظمات معينة، ومن يقدمون خدماتها، لتسهيل عمليات الإغاثة الإنسانية، عن طريق الاستغناء عن الحاجة إلى طلبات ترخيص فردية.

إشارة الى الملكيات العقارية والتدفقات النقدية بعد الزلزال

توالت إعلانات الدول عن تعهدات بتقديم مبالغ لسورية وتركيا استجابة لكارثة الزلزال، وسط الحديث عن التلاعب بآلية توزيعها من قبل الهيئات الحكومية السورية

، فالمساعدات العينية لم تنج من السرقة بسبب الفساد المستشري.

ومن خلال متابعة المنظمات الحقوقية العاملة على ملف الملكيات العقارية في سورية وقضية استفادة النظام السوري مستقبلا من كارثة الزلزال، واستغلالها في ملف إعادة الإعمار أو تنفيذ المخططات التنفيذية للمناطق العمرانية بموجب القانون رقم10، فأن مسألة إعادة إعمار أي منطقة لا يمكن أن تجري في الخفاء، ولا تحتاج إلى آليات مراقبة، فإن حصلت ستكون معلومة لجهة المناطق المشمولة ومصادر تمويلها.

وفي حال كان المبنى بحاجة لتدعيم بعض العناصر الإنشائية دون خروجه عن الخدمة، يمنع البدء بأعمال التدعيم دون تقديم دراسة فنية تدعيمية ومخططات هندسية مفصلة لتدعيم العناصر الإنشائية المتضررة مصدقة من قبل نقابة المهندسين والوحدة الإدارية، كما يجب تنفيذ أعمال التدعيم بإشراف النقابة، بحسب التعميم الحكومي.

حيث أن قيمة تدعيم بعض المباني قد تصل لـ 100 مليون ليرة، بينما المهندسون يتقاضون الحد الأدنى من الأجور، لكن مبلغ مليون ليرة أصبح صعبًا على الأهالي نتيجة ضعف القوة الشرائية للسكان.

ونشير الى أن التدفق النقدي المفاجئ والذي أدى إلى صدمة في سوق النقد، كما أدت الكارثة نفسها إلى صدمة، لأن التعاملات ضمنها لم تكن بشكلها الطبيعي أبدا، الأمر الذي أدى إلى زيادة المعروض النقدي من العملات الأجنبية في السوق ورغم ذلك لم يطرأ أي ارتفاع على قيمة الليرة السورية.

وبعد الزلزال، تعددت مصادر التدفق النقدي من العملات الأجنبية إلى سوريا، منها حوالات المغتربين لذويهم المتأثرين بالزلزال، أو بهدف المساعدة ضمن الحملات الإغاثية التي نُظمت لهم، أو عبر الحوالات القادمة من المنظمات الدولية، أو من الدول الصديقة للحكومة السورية. (14)

لكن أثر هذا التدفق النقدي على قيمة الليرة السورية لا يمكن أن يكون مستداما او محددا على المدى الطويل، إلا بالبدء بعملية الإنتاج، وإعادة تدفق رأس المال، وإعادة تدفق الاستثمار الأجنبي بقطاعات حيوية وإنتاجية، وليس فقط بقطاعات إغاثية، وهذا كله يتطلب الاستقرار السياسي. وخلال كانون الأول 2022، سجلت الليرة السورية تراجعا بنسبة تجاوزت 23% على أساس شهري، وبنسبة قاربت 10% على أساس أسبوعي، لتحقق سعر 7150 ليرة أمام الدولار، وهو ما يقارب ضعف قيمة الدولار في الشهر نفسه من 2021، حين سجل الدولار 3600 ليرة تقريبا.

اطلالة حول المناطق السورية المنكوبة من الزلزال

جنديرسة أكثر الأماكن تضررا من الزلزال في سورية:

فاحت رائحة الموت من بلدة جنديرسة بريف حلب الشمالي، بعد توقف عمليات البحث والإنقاذ عن عالقين تحت الركام، والبدء بعمليات البحث والانتشال إثر الزلزال الذي ضرب المنطقة منذ 6 من شباط الحالي.

جثث مجهولة الهوية انتظرت من يتعرف عليها، ومقابر جماعية ضمت عائلات بأكملها، تركت آثار الحزن والهدوء على البلدة المنكوبة.

ان الحرب فرضت ضغوطا لا يمكن تصورها على قدرات سورية للتعامل مع أسوأ زلزال تشهده المنطقة منذ قرن. في حين كان هناك صعوبة معلنة على نطاق واسع في إيصال المساعدات إلى كل المناطق المتضررة في سورية. لكن أكبر ضغط وقع على الأشخاص الذين حاولوا التعامل مع الوضع على الأرض.

ودخلت إلى الشمال السوري شاحنات إغاثية من معبري باب الهوى وباب السلامة الحدوديين، لكن لا زالت البلدة وسكانها في مراكز الإيواء والخيام يحتاجون خدمات كثيرة، حالهم كحال عشرات المدن والبلدات التي تضررت من الزلزال.

يشار الى ان اول قافلة مساعدات دخلت عبر معبر اعزاز مع فريق إغاثي وإنساني كامل، بالرغم من عرقلة دخولها لمدة أربعة أيام متتالية من قبل الحكومة التركية المحتلة والفصائل السورية المتعاونة معهم، وان القافلة مرسلة من جمعية البارزاني الخيرية وتحمل مواد طبية وإغاثية وطعام وخيام ومواد أخرى، وقد قامت الفصائل السورية المرتزقة والمتعاونين مع المحتل التركيب بعرقلة دخول فريق جمعية البارزاني الخيرية لناحية جنديرسة مباشرة بعد دخولها الأراضي السورية وإعادتهم لمدينة عفرين وذلك للاستيلاء على المواد الإغاثية وسرقتها

وبعد الإعلان عن انتهاء عمليات البحث وإنقاذ العالقين تحت الأنقاض في المناطق المنكوبة بالزلزال في كل المناطق المنكوبة في سورية وبعد الثقة التامة بشبه انعدام وجود أحياء، بلغت إحصائية الضحايا أكثر من3000حالة وفاة، وأكثر من 3500مصابا في أكثر من 40 مدينة وبلدة وقرية شمال غربي سوريا تدمر فيها نحو 600مبنى سكنيا بشكل كامل وأكثر من 2000مبنى بشكل جزئي، فقد كانت الحصيلة الأكبر في بلدة جنديرسة التي وصلت فيها أعداد الضحايا لأكثر من 1039وفاة، و1045مصابا.

أن عشرات الأبنية مهدمة بشكل كامل، وعشرات الأشخاص تحت الأنقاض لم يعرف عددهم ولا هويتهم ولا كم عددهم بالضبط، وأن المناشدات كانت تخرج من المساجد من أجل المساهمة بأي شيء قد يخفف عن معاناة العالقين، وسط صعوبة كبيرة وقلة بالمعدات ما ساهم بتأخير انتشال العالقين. وشهدت بلدة جنديرسة وجود عشرات الجثث مجهولة الهوية، ونقلت جثث الضحايا جراء الزلزال إلى ثلاجات حفظ الموتى بشكل أولي، وبعد امتلاء الثلاجات جرى نقل الجثث إلى محيط مستشفى عفرين العسكري، حيث تراكمت عشرات الجثث، أن الجثث مجهولة الهوية تبقى في ثلاجات حفظ الموتى بعد نشر صورها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بحثا عن ذويها، وبعد 48 ساعة تتولى الطبابة الشرعية عملية الدفن بعد إعطاء كل جثة رقم خاص يحفظ مع صور لها من عدة جهات، لتدفن لاحقا في المقابر المتوفرة. وان مكتب دفن الموتى في البلدة عمل على تغسيل وتكفين الجثث، لتكون الأهالي قادرة على التعرف عليها، وأن عشرات الجثث ما زالت مجهولة الهوية.

جنديرسة وهي منطقة كوردية سورية تابعة لمدينة عفرين وصلت اليها سيارات محملة بمواد غذائية وطبية وألبسة وخيام ومواد مطلوبة من ألبسة وبطانيات ومعلبات وخيام وخبز، بعد حملات تبرع أطلقها أهالي قرى مجاورة ناشدوا للتبرع أو جمع مواد عينية وطبية من سيرومات سكرية وملحية، ومعقمات (كحول وبوفيدون)، وجبائر، وشاش معقم، وشاش لف، وصادات حيوية، وسيتامول وريدي، وترامادول، وخيطان جراحية وغيرها من المواد الطبية. وتوافر في المخيمات القريبة من جنديرسة والتي لجأ إليها أهالي البلدة بعد الزلزال ،هنكارا بمثابة عيادة، يقدم الخدمات الطبية للأهالي المتضررين، كمبادرة أطلقها ممرضون لمساعدة الأهالي. أن العيادة قدمت الخدمات الطبية، من معاينات وإعطاء الأدوية لبعض العائلات المتضررة. وكان عدد العائلات المخدمة في الخيام 500عائلة، في حين عدد العائلات غير المخدمة 3000 عائلة، وعدد الأبنية المتضررة 2106، وعدد الأبنية المهدمة بالكامل 208 بناء.

فريد الحسن من المواطنين الكورد الأصليين في جتديريس والمشارك بعمليات الإغاثة والإنقاذ، قال لنا: سنوات طويلة عشناها بالحرب وبين الدمار، لكن أهوال الزلزال كانت أصعب من كل شيء، وحتى الآن نتابع عملنا بإزالة الأنقاض يلي خلفها الزلزال بمدن وبلدات شمال غربي سورية، وبدنا كتير وقت حتى نتعافى من الكارثة، ما بنسى اللحظات الأولى للزلزال ومشاهد الحزن والألم يلي رافقتنا خلال عمليات الإنقاذ، هي الفترة نحنا بحاجة لقوة كبيرة حتى نتخطاها، وتخفيف الضغط النفسي الكبير يلي عايشين فيه، المواقف صعبة بكل مرحلة مرت علينا، وبحاجة نكون سند لبعض حتى نقدر نكمل.(3-4)

المصيبة أن الزلزال تزامن مع منخفض جوي شديد وكان الناس مرتبكين جدا كيف يتصرفون مع العاصفة الثلجية فجاء الزلزال وأصبح هناك مصيبتان كبيرتان في نفس الوقت. ممكن نحن نجينا من الزلزال، لكن يلي نجا هو أجسادنا فقط، أرواحنا لساتها عالقة تحت هذا الركام يلي سرق مننا ناس غاليين علينا، منهم أختي وطفلتها، الأيام صعبة كثيرا على الأهالي هون في جنديرسة مع بداية شهر رمضان وعايشينها بين حزن وفراق أقربائهم وأفراد عوائلهم والمعاناة بخسارة بيوتهم والسكن بخيم الإيواء، أتمنى تنتهي هالمأساة وتتعافى الناس من الكارثة الأليمة عن قريب.

شهادات لبعض الضحايا الناجين تحكي قصة الزلزال في مدينة ادلب

أعلن الذي يعمل في وحدة العناية الفائقة في مستشفى الشفاء في إدلب منذ سبع سنوات، إن الموقف في المستشفى هو الأسوأ على الإطلاق الذي تمر به المستشفى منذ أن عمل بها. وأضاف أن هناك سريرا واحدا لكل مصابيْن أو ثلاثة وأن الناس يتناوبون على استخدام أجهزة التنفس حتى تزداد فرص بقائهم على قيد الحياة.

وفي مقطع فيديو أبكى الحجر قبل البشر، خرج الطفل يبكي عائلته قائلا: بدي أطلع، حتى نجح عمال الإنقاذ في إخراجه على قيد الحياة من تحت أنقاض منزله المدمر في مدينة سلقين غربي إدلب.

وتقول السيدة منى ناصيف، وهي ربة منزل من سكان ادلب: كنا نياما وفجأة أيقظني زوجي ليخبرنا بوقوع زلزال، ولم أستطيع ان استوعب وأدرك ماذا يحدث، وهل أنه حلم أم حقيقة، حيث لا كنت مستيقظة تماما ولا كنت نائمة. وعلى وقع الارتباك والهلع وتعالي صيحات الجيران وعويل النساء والأطفال والابتهال لله، سارعنا زوجي وأطفالنا وللنزول حيث شقتنا تقع في الطابق الرابع وهو الأخير من العمارة، ومن شدة الصدمة وهولها فقد نزلنا بثياب خفيفة والجو شديد البرودة، ولنعود مرة أخرى لنرتدي السترات الثقيلة. (3-4)

وهكذا بقينا وسط الشارع مع سكان الحي، لحين بزوغ الشمس وبعدها عدنا لشققنا، ومع حدوث هزات ارتدادية أخرى في ساعات الظهر، ذهبنا لبيت أهلي الأرضي كونه أكثر أمانا ويمكننا الخروج منه بسرعة في حال حدوث أي طارئ.

الطالبة الجامعية زبيدة العثمان صرحت بما يلي: عشنا منذ ساعات الفجر في رعب حقيقي، وهربنا الى الشوارع جميعا، حيث تتوالى التوابع الزلزالية، لدرجة أن كثيرين من سكان المدينة يتجمعون في سياراتهم في ساحات عامة فسيحة، خوفا من انهيار المنازل والعمارات.

كان الوضع مأساوي خاصة في ظل سوء الأحوال الجوية وتساقط الأمطار بغزارة، حيث حتى لو خرجت من المنزل خوفا من حدوث زلزال جديد، فلا يمكنك البقاء طويلا في الخارج بفعل البرد الشديد والمطر المتساقط بقوة، وما زاد الناس هلعا وتوترا هو حجم الدمار الواسع الذي حل بالعديد من المناطق السورية الأخرى والمشاهد الكارثية الواردة من هناك

بطموح كبير يأمل الطالب بزن البلال أن يدخل كلية الطب، وذلك بعد أن حصد 237 علامة من أصل 240 خلال الفصل الدراسي الأول في الثانوية العامة بمنطقة باب الهوى على الحدود السورية التركية.

لكن الآثار السلبية للزلزال المدمر امتدت أيضا إلى طموح الطالب السوري الذي لم يجد سوى الخيمة لاستكمال دراسته، وذلك بعد إيقاف التعليم في المدرسة للمرة الثالثة إثر هزات الزلازل المتكررة.

يخشى يزن من تواصل تعليق الدراسة، مما سيؤدي إلى تشتت أفكاره وضياع مستقبله، ويقول والقلق يسيطر عليه: يجب أن تكون هناك بدائل وهي التعليم عن بعد كحل أولي، أو بناء خيم بدل المدارس وتعليم الطلاب فيها حتى تنتهي الزلازل خلال نهاية الفصل الجاري. يقترح يزن أن تكون هناك تسهيلات للطلاب بسبب أزمة الكوارث من خلال تأجيل الفحص النهائي شهرا أو شهرين، بالإضافة إلى إقرار دورة تكميلية، فهناك طلاب فقدوا اهاليهم وأقرباءهم، وآخرون نزحوا جراء الزلزال.

مستقبل غامض ينتظر الطلاب في شمالي سورية بسبب تعطل العملية التعليمية، وعلى المستوى النفسي، يرفض الطالب حسن يونس العودة إلى المدرسة مجددا، مؤكدا أنه أصبح يعاني من فوبيا الزلزال، واختار حسن الدراسة عن بعد عبر الإنترنت، وذلك عبر مبادرة مسارات التي تعمل في مناطق شمال غربي سوريا، وتقدم الدروس للطلاب المنقطعين بشكل مجاني. ويؤكد أن شبكة الإنترنت متوفرة في معظم الشمال السوري حتى في مخيمات الإيواء، ويملك معظم الطلاب هواتف ولا يحتاجون إلى حواسيب مكتبية للدراسة، لذلك يمكن أن تنجح هذه الفكرة.

لا أستطيع التركيز هذه الكلمات تعبر الطالبة لاما 15سنة عن قلقها بسبب عدم تمكنها من الدراسة في المخيمات بسبب الضوضاء والازدحام، وعدم وجود مكان هادئ يساعدها على القراءة. لاما طالبة شهادة في الإعدادية تعيش في مخيمات شمال إدلب، وتعتبر من المتفوقات حيث حصلت على 279 علامة من أصل 280 خلال الفصل الدراسي الأول، وتطمح لتنال المجموع التام خلال الفصل الثاني، أضافت لاما "خلال أيام تدمرت طموحاتي، من منزل كنت قد خصصت داخله غرفة خاصة للقراءة إلى خيمة يقطن فيها 15 فردا من عائلتي، منذ مرور أكثر من أسبوعين على الزلزال لم أستطع قراءة حرف واحد". لذلك، تطالب بفتح المدارس من جديد حتى لو كانت خطيرة أو تأجيل هذه السنة حتى تستقر الأوضاع، لأن مستقبلنا يضيع.

وتسبب الزلزال في مناطق شمال غربي سوريا بدمار عشرات المدارس، حيث أشار مجمع إدلب التربوي إلى أن عدد المدارس التي تضررت بفعل الزلزال الأول في منطقة حارم بلغ 39 مدرسة، من بينها 34 مدرسة تهدمت بشكل جزئي، و5 مدارس تعرضت لتشققات بسيطة.

وأعلن مجمع معرة مصرين التربوي أن عدد المدارس التي تضررت بفعل الزلزال الأول الذي ضرب المنطقة بلغ 14 مدرسة، من بينها 12 مدرسة تعرضت لتهدم جزئي ومدرستان تعرضتا لتشققات بسيطة.

ولجأ بعض الطلاب إلى الدراسة ضمن مخيمات، حيث تطوع بعض المعلمين لحماية التلاميذ من التسرب الدراسي.

من جانبه، أكد الأستاذ زياد العمر المكلف بتسيير أعمال وزارة التربية والتعليم في إدلب استمرارهم بالعملية التعليمية، وأن المدارس التي تعرضت للضرر بناؤها قديم جدا، وهناك 7 مدارس بناؤها جيد ومدعم بحيث تصمد أكثر أمام الزلازل، لكن بالطبع حسب شدة درجة الزلزال، مؤكدا أن وسائل الحماية تقليدية، ولا نملك وسائل حماية متطورة، لفت العمر إلى أن الزلزال أثر سلبا على نحو 250 مدرسة في شمالي سوريا عموما، منها 203 أصابها تهدم جزئي، و46 تشققات بسيطة، ومدرسة تهدمت بشكل كامل. وختم بأن تأجيل العملية الدراسية مرتبط بواقع الزلزال، ولا يمكن التنبؤ به مطلقا قبل حدوثه.

مع إخلاء المدارس بسبب الزلزال اختار البعض الدراسة عبر الإنترنت وذلك عبر مبادرة مسارات في الشمال السوري وفي هذا السياق، أكد عبد القادر الملحم 48سنة والذي يعمل في مدرسة بمنطقة حارم في ريف إدلب الشمالي: أن المدارس في المنطقة معظمها متصدعة والتدريس فيها بحد ذاته خطر على الطلاب، واقترح نصب خيم مدرسية في كل منطقة ضربها الزلزال ومتابعة العملية التعليمية حتى نهاية العام الدراسي، وذلك حفاظا على أرواح الطلاب والمعلمين.

يشار إلى أن فريق منسقو استجابة سورية أحصى نحو 318 ألف طفل شمال غربي سوريا و78 ألفا داخل المخيمات متسربون من التعليم.

وذكر الفريق أن: أكثر من 800 مدرسة دمرت بفعل الحرب منذ عام 2011، بينها 170 منشأة تعليمية في شمال غربي سوريا خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

لقطات مؤثرة نشرتها مجموعة هذه حياتي التطوعية أظهرت حالة الخوف والهلع التي أصابت أطفالا مرضى في مستشفى مدينة حارم بريف إدلب شمالي سورية لحظة وقوع الزلزال الذي ضرب البلاد. وفي المقطع المصور الذي التقط داخل المستشفى في أثناء وقوع الزلزال، كان الأطفال يبكون خوفا وأمسكوا بالمتطوعين والممرضين، وقال أحد الأطفال الموجودين وهو يرتجف خوفا ويبكي: أخرجوني من المستشفى، في حين حاول عناصر الطاقم الطبي تهدئته.

وإثر الزلزال انقطعت الكهرباء، بينما تواصلت نوبة الفزع والبكاء بين الأطفال الذين فقد عدد منهم أفراد عائلاتهم جراء الزلزال الذي خلف عشرات آلاف الضحايا.

وحاول أحد مسعفين تهدئة فتاة كانت تبكي فزعا من اهتزازا الأرض، إذ أمسك بيدها وقبلها وخاطبها ليهدئ من روعها.

وحظي مقطع الفيديو بتفاعل الناشطين على مواقع التواصل، إذ أعربوا عن حزنهم لما يحدث، وعن تأثرهم لما شعر به الأطفال من فزع ورعب.

تقوم فرق الدفاع المدني السوري بالتعامل مع الأبنية المتضررة والتصدعات التي طاولت مئات المباني في مركز إدلب، وباتت تشكل خطرا على حياة السكان، وذلك بعد الانتهاء من مرحلة البحث والإنقاذ وانتشال الجثث في المدينة، عقب الزلزال المدمر الذي هزّ جنوب تركيا وشمال سورية.

مدير مركز إدلب في الدفاع المدني السوري يحيى عرجة قال، إن فرق الدفاع المدني تسهر على إزالة المخاطر في الأبنية السكنية التي تعرضت لقصف سابق من الطيران الحربي وللزلزال القوي، من خلال التخلص من الشرفات المائلة والأسقف الآيلة للسقوط.

وتقدم أصحاب الأبنيةِ المتضررة بطلبات إلى المجلس المحلي في المدينة، الذي أرسل فريقا من المهندسين للكشفِ على البناء، وتحديد ما إذا كان صالحا للسكنِ أم لا، بينما قامت فرق الدفاع المدني بالتعاملِ مع المخاطرِ الواضحة ضمن الإمكانات المتوفرة، والبناء الذي لا يمكن ترميمه سيهدم خوفا على حياة سكان المبنى والمارة. ان فرق الدفاع المدني بقيت على عملها في إزالة ركام المنازل التي دمرها الزلزال، وفتح الطرقات في ملس وعزمارين بريف إدلب، لتسهيل حركة المدنيين في المنطقة. السيد خالد الأمير تحدث قائلا: ان أضرار الزلزال اقتصرت على منزلي الذي تصدع وتساقطت حجارته، وقد تقدمت بطلب للدفاع المدني لإسقاط حائط في الجهة الغربية، ولم يتردد في الاستجابة، لكنه لم يستطع التخلص من خطر بيت الدرج المتصدع في الجهة المقابلة، لعدم وجود آلية للوصول إليه.(15-16)

بدورهم، طلب مئات الأهالي من فرقِ الدفاع المدني التوجه إلى منازلهم لكشفِ تصدعاتها، إذ تعرضت معظم الأحياء في مدينةِ إدلب لأضرارٍ جزئية، والنتيجة ستكون واحدة من أمرين؛ إما ترميمها أو هدمها، وهذا تترتب عنه تكاليف إضافية من غير المعروف من سيتحملها.

في ظل الحرب التي ستدخل عامها الثالث عشر، يعيش سكان إدلب والنازحون إليها ظروفا معيشية واقتصادية صعبة، ما سيجعل عملية تأهيل مساكنهم أو تحمل أعباء ترميمها أمرا في غاية الصعوبة.

شهادات صادمة تناقلتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عن حجم الدمار والمآسي التي خلفها زلزال سورية، خاصة في مناطق الشمال التابعة للمعارضة، فإن الشهادات لا تتوقف في محاولة لنقل هول الفاجعة.

فقد روت عاملة إنقاذ متطوعة في الشمال السوري، حجم الدمار الذي شاهدته أثناء عملها على خط المواجهة مع الكارثة الإنسانية التي لحقت بالمنطقة من جراء الزلزالين اللذين لحقا بها، وقالت إن المنازل خلال زلزال سوريا اهتزت بقوة كبيرة، وهي شاركت في مساعي الإنقاذ للمحاصرين تحت الأنقاض في إدلب، بعد الزلزالين الهائلين اللذين ضربا جنوب تركيا وشمال سوريا؛ حيث المناطق ذاتها التي كانت تساعد على إنقاذ الرجال والنساء والأطفال من المباني، ومنذ الزلزالين، بذلت فرق الإنقاذ ما في وسعها للتعامل مع آثار الكارثة التي تضرر منها 4 ملايين شخص تضررا مباشرا، لكنهم عملوا بإمدادات أقل من المعتاد في مثل هذه الظروف.

وتروي السيدة جميلة ام محمد اللحظات الأولى للزلزال، فتقول: أول الزلزال، اندفعنا للخروج من المنزل، وقد سمعنا أصوات الصفائح وهي تزلزل وكنت أسمع أصوات الجيران والأطفال وهم يهرعون من المباني. ثم بدأت جميع المساكن في الانهيار، وكان الذعر مهولا. حينئذ تدرك أنك خيط الأمل الوحيد المتبقي لديهم، فلا يمكنك الوقوف عاجزا، وإنما عليك أن تتصرف.

تقول السيدة جميلة إن جهود الإنقاذ في مناطق المعارضة بسبب زلزال سورية كانت صعبة أولا لبطء استجابة الأمم المتحدة في أعقاب الزلزال، ثم لانتظارِ الإذن من الحكومة السورية لإيصال المساعدات عبر معابر حدودية إضافية مع تركيا.

وذكرت فرق الإنقاذ المحلية إن مئات المدنيين ربما قضوا في الأيام الثلاثة الأولى بعد الزلزال لافتقارِهم إلى مساعدات الإنقاذ. وتروي ثريا أنهم، وإن تمكنوا من إنقاذ بعض الناس، فإن كل عملية إنقاذ كانت تأتي مصحوبة بخبر وفاة كثيرين ممن لم يصل إليهم العون في الوقت المناسب. تذكرت السيدة جميلة فتاة اسمها سارة تمكنوا من إنقاذها، لكنها ما كادت تفرح بنجاتها إلا وعرفت أن والديها قد ماتا تحت أنقاض زلزال سورية، فأنت تفرح لإنقاذ شخص ما، وتشعر بسعادة جمة، لكنك ما تلبث أن تتألم بعد أن يتبين لك أنك أنقذت الطفل الوحيد الذي بقي حيا من العائلة، وأن جميع أفراد الأسرة ماتوا، ولن يكونوا معه، وتكاد مشاعر الحزن أن تستحوذ عليك، لكن لا بد أن تتحلى برباطة الجأش لتواجه كارثة مثل هذه. إنها تلوم نفسها، لأنها عجزت عن إنقاذ المزيد من الناس، وأريد أن أبعث برسالة إلى جميع من طلبوا مساعدتنا، لكننا عجزنا عن مساعدتهم، من طلبوا منا إنقاذ عائلاتهم وأطفالهم من تحت الأنقاض، لكن الموت كان أقرب إليهم وأسرع منا، أريد أن أعتذر إليهم عن كل شخص مات ولم نتمكن من مساعدته ولا إنقاذه.

لم تكف حصيلة اعداد الضحايا عن الارتفاع، وبقي عدد كبير جدا من الأشخاص تحت الأنقاض. كما تسبب تساقط الأمطار والثلوج وانخفاض درجات الحرارة مع حلول الظلام في عرقلة جهود المنقذين. وتوقعت منظمة الصحة العالمية أن تكون الحصيلة النهائية أكبر بكثير من الأرقام غير النهائية المعلنة.

وعملت منظمات أهلية ومجتمعية على الأرض على مدار الساعة في المدن والقرى المنكوبة لانتشال جثث القتلى والبحث عن ناجين في ظروف جوية قاسية. وقال المتطوع منصور السمكة من فريق ملهم التطوعي: إن الوضع على الأرض كارثي للغاية، هناك أكتر من 900بناية سويت بالأرض. في كل يناية 20 عائلة باتوا كلهم تحت الأنقاض. عمليات انتشال الجثث خجولة رغم الجهود الكبيرة. نعمل على مدار الساعة كمنظمات جنبا إلى جنب مع الدفاع المدني والأهالي يحاولون المساعدة بمعدات بسيطة للغاية لإخراج الناس من تحت الأنقاض، وقلة تمكنوا من النجاة من تحت الأنقاض ومعظمهم يعاني من أضرار جسدية كبيرة. وأوضح أن الواقع في مناطق متضررة أخرى مثل سرمدا وريف إدلب وسلقين ليس أفضل حالا: سجلت هناك حوالي 1000 حالة وفاة هناك إلى الآن. فرق الإنقاذ مستنفرة على مدار الساعة. الجثث في كل مكان في المستشفيات لأن عائلات بكامل أفرادها قتلت في هذا الزلزال. ليس هناك أحد ليتعرف على الجثث. الوضع مأساوي لدرجة لا توصف. ومما زاد في تعقيد الأمور ان الكارثة صارت تزامنا مع عاصفة ثلجية: الوضع جدا يرثى له، صادفنا شابة نصف جسمها عالقة تحت الأنقاض. كانت تطلب من المسعفين قطع رجلها لأنها لم تعد تحتمل 48 ساعة وهي عالقة.(3-15)

وفي بلدة سرمين شرقي إدلب، أعلنت مجموعة من الشباب فتح الباب لجمع التبرعات بأشكالها من أغطية، وخيم، وطعام، وغيرها لإغاثة المتضررين، كما فتحت البلدة أبوابها للنازحين، وكذلك أرسلت مساعدات من مناطق الباب، ومارع، وغيرها من مناطق في شمالي حلب. مع ذلك، كان من المفترض أن هناك حكومتين معارضتين تديران شمال غربي سورية عبر سلسلة وزارت ومسميات كثيرة، لم تظهر إلا في تصريحاتهما وتوجيهاتهما لا ترقى إلى عمل رئاسة بلدية في قرية صغيرة، فيما كانت أصواتهما تعلو في جباية الضرائب، وإدارة المعابر، والاستحواذ على المشاريع الحيوية في المنطقة.

حول غمر مياه العاصي

أثارت الانهيارات والتشققات والانبعاثات الرملية التي تعرضت لها الأراضي الزراعية على أطراف نهر العاصي شمال غربي سورية قلق وخوف المزارعين، كما تركت آثارها على مزروعاتهم، عقب الزلزال وانزاحت التربة في أراضٍ زراعية متفرقة بمدينة دركوش الواقعة على ضفتي نهر العاصي، وظهرت شقوق في الأراضي المجاورة للنهر بعرض مترين إلى ثلاثة، وبعمق من ثلاثة إلى أربعة أمتار. وأظهرت التشققات أنفاقا جديدة، كما خرجت من باطن الأرض رمال سوداء على شكل فقاعات تشبه البركان. وإن جميع الأشجار القريبة من نهر العاصي تأثرت باختلاف أنواعها وانزاحت باتجاه النهر، مع ظهور فوالق وتشققات مفزعة لم يشهدها المزارعون من قبل، إن التشققات تسمى فوالق محلية، وهي موازية لمجرى نهر العاصي، وتسمى هذه التغيرات بمرافقات الزلزال الخطر، ولا تحصل إلا في حالة الزلازل الشديدة جدا ويمكن الاستفادة من هذه الفوالق، بتحويلها إلى مصاطب زراعية، مع الحذر لأنها ربما قد تكون غير آمنة مع استمرار انهيارات التربة.

نزح الكثير من الاهالي إلى مخيمات شمالي سورية، بعد أن غمرت مياه نهر العاصي أرضية منزلهم في قرية التلول بريف إدلب الغربي. وخاصة الى مخيمات قرب مدينة سلقين بريف إدلب الشمالي الغربي، بعد ساعات من البحث عن مكان يأويهم عقب دخول مياه نهر العاصي إلى منزلهم. وسبب فيضان النهر حركة نزوح جديدة، بالتزامن مع استمرار عمليات إنقاذ لضحايا عالقين تحت الأنقاض في عدة مدن وبلدات شمالي سوريا، وغمرت مياه النهر الأراضي الزراعية ودخلت على المنازل في قرية التلول، حيث تسبب ارتفاع منسوب النهر بغرق البيوت وحركة نزوح جديدة، تضاف إلى حركة النزوح التي شهدتها المنطقة عقب الزلزال.

ان انهيار سد التلول وانتشار تسجيلات مصورة وصور أظهرت فيضان مياه نهر العاصي على أراضي وشوارع ومنازل القرية. (7)

الأضرار الكارثية التي سببها الزلزال في مدينة حلب

مدينة حلب، التي مزقتها الحرب في سورية، كانت من أكثر المدن التي تلقت الضربة الأكثر إيلاما من الزلزال الدموي وتجاوز عدد ضحايا الزلزال العنيف أكثر من 3600 قتيل، وأكدت فرق الطوارئ أن العديد من المنازل تضررت من الزلزال أو انهارت تماما، وبقي البعض من السكان عالقين تحت أنقاض البنايات ، فقسم كبيرمن سكان مدينة حلب ليس لديهم مأوى لأن منازلهم انهارت أو لأنهم خائفين من المزيد من الزلازل، وامست حلب: منطقة منكوبة، وبقيت عدة اسر عالقة تحت الأنقاض، وفي المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، تم الدفع بجميع خدمات الطوارئ إلى المنطقة، بما في ذلك قوات الجيش وطلاب متطوعين، ولم تكن كافية للتعامل مع حجم الدمار، واعاقت جهود الإنقاذ ظروف الطقس السيء ودرجات الحرارة التي تصل إلى حد التجمد والأمطار الغزيرة وعاصفة ثلجية.

وانتشر بعد12 يوم وباء الكوليرا وصار وباء ازمة داخل كارثة كما أن مساحات شاسعة من المنطقة صعب الوصول إليها بسبب الأضرار التي لحقت بشبكات الاتصالات بعد الزلزال، وقد استغرق الأمر بعض الوقت حتى وصلت المساعدات الدولية، وزاد من صعوبات الوصول وجود معبر صغير واحد على الحدود التركية يستخدم لنقل الموارد إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. (3-4)

كان الزلزال كبيرا، لأنه وقع في الساعات الأولى من الصباح، عندما كان الناس نائمين في منازلهم إضافة الى ضعف متانة المباني، وكانت البنية التحتية المقاومة غير مكتملة في سورية كلها، لذا فإن إنقاذ الأرواح اعتمد في الغالب على سلوك فرق الإنقاذ والمتطوعين عقب وقوع الزلزال، حيث ان هذه المنطقة لم يحدث فيها زلزال كبير أو أي تشهد هزات تحذيرية منذ أكثر من سنة، ولذلك فإن مستوى التأهب والاستعداد كان أقل من منطقة أكثر اعتيادا على التعامل مع الهزات الأرضية.

يذكر ان قشرة الأرض تتكون من أجزاء منفصلة، تسمى صفائح، تتجمع جنبا إلى جنب، وتتحرك هذه الصفائح مرارا، وفي بعض الأحيان يتراكم الضغط حتى تنقلب إحدى الصفائح فجأة، مما يتسبب في تحرك السطح، وفي حالة الزلزال الحالي كانت الصفيحة العربية تتحرك شمالا وتطحن في احتكاكها صفيحة الأناضول، وكان احتكاك الصفائح مسؤولا عن زلازل مدمرة للغاية في الماضي في شرق تركيا، ويوجد العديد من الهزات الارتدادية تبعت الزلزال الكبير في نفس المنطقة.

تقاس الزلازل بمقياس يسمى مقياس القوة اللحظية. ولا يمكن عادة الشعور بهزة بمقدار 2.5 درجة أو أقل، ولكن يمكن اكتشافها بواسطة الأجهزة العلمية، أما الزلازل التي تبلغ درجتها خمس درجات أو أكثر فيشعر بها الإنسان وهذا النوع يسبب أضرارا طفيفة، ويصنف الزلزال الاخيرالذي بلغت درجته 7.8، على أنه زلزال قوي، وقد تسبب في أضرار جسيمة كما حدث في هذه الحالة، حيث ان الزلازل التي تزيد على 8 درجات يتسبب بأضرار فادحة، ويمكن أن يدمر البؤر السكانية تماما.

ومن الجدير ذكره هنا ، ان أبرز الاضطرابات التي احتلت راس القائمة، والخوف من الموت تحت الأنقاض نتيجة للزلازل أو ما يعرف في علم الطب النفسي التافوفوبيا وهو اضطراب نفسي يعني الخوف الشديد والرهاب الذي يصيب الشخص من أن يدفن حيا وهو يرتبط ارتباطا وثيقا بأمراض الرهاب الأخرى مثل: الخوف من الموت، والخوف من شواهد القبور: رهاب الموتى، والخوف من الأماكن الضيقة والمغلقة، إن الأشخاص الذين يعانون بالفعل من القلق أو الاكتئاب أكثر عرضة لمرض التافوفوبيا، خاصة بعد اختبار تجارب مؤلمة, وينتج عن فكرة رهاب التافوفوبيا أو الخوف من الدفن حيا عدة أعراض جسدية لدى المصاب به، ومنها :صعوبة التنفس، ارتفاع ضربات القلب، الارتعاش، التعرق بغزارة.(7)

إذا كان اضطراب التافوفوبيا يؤثر بشدة على حياة المصاب اليومية، فمن الأفضل طلب المساعدة المهنية واستشارة الطبيب النفسي المتخصص. ويشمل ذلك، العلاج بالكلام والاستشارات النفسية والسلوكية وما إلى ذلك.

في الأسبوع الثاني من وقوع الزلزال تم البدء بتقديم المساعدات الخجولة إلى سورية بعد الزلزال فقد عملت فرق الأمم المتحدة على تنظيم هذه العمليات محاولة منها لتغطية حاجيات بعض المتضررين، إلا أن المنظمة منعت من دخول بعض المناطق، وفي مقابلة مع فرانس24، أعلن منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في سورية المصطفى بن المليح أن حوالي 180 ألف شخص في حلب بدون مأوى جراء الزلزال، وطالب القوات المسلحة غير الحكومية بالسماح للفرق الأممية بدخول منطقة سيطرتها لإيصال المساعدات. وأكد أن هاجس الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأول والأخير في هذا التوقيت هو: إيصال المساعدات لمن يحتاجها من السوريين بجميع المناطق.

وامام هذه الأضرار الكبيرة في سورية التي مرت عليها أزمة إنسانية وسياسية وأمنية منذ سنوات قبل أن تضاف اليها هذه الكارثة الطبيعية، التي زادت من معاناة مئات الآلاف من السوريين، الذين يوجد300 ألف منهم في حلب بدون مأوى، وأسفر الزلزال في سورية عن مقتل أكثر من9800 انسان وناشدت الأمم المتحدة العالم وذلك بعد يومين من إطلاق نداء لجمع 400 مليون دولار للسوريين.

وانتقدت منظمات محلية وناشطون معارضون في تلك المناطق منظمات المجتمع الدولي لتأخرها في إرسال مساعدات استجابة للزلزال، خصوصا أن مناطقهم تعاني أساسا من ظروف معيشية صعبة للغاية، فقد ضرب الزلزال سورية بعدما استنزف النزاع المدمر، الذي تجاوز عامه الثاني عشر، مقدرات البلاد واقتصادها وقدرة مرافقها الخدمية على التعامل مع كوارث طبيعية مماثلة. (3-4-7)

كانت ومازالت الحاجات متعددة وتختلف حسب المناطق. ففيها المأوى والحماية والغذاء والملابس الشتوية. وفرق الأمم المتحدة الآن نسقت مع المنظمات الحكومية وغير الحكومية لهذا الغرض. وهناك احتياجات كبيرة في المناطق التي تسيطر عليها مسلحو المعارضة المتعاونين مع المحتل التركي، وهي بالطبع احتياجات ضخمة نظرا لقرب المنطقة من مركز الزلزال بتركيا. وان الوصول إلى هذه المنطقة كان محدودا ويمر عبر ثلاث نقاط على الحدود مع تركيا.

وصلت عدة قوافل إنسانية وفتحت جسور جوية لإيصال المساعدات. والجهة المكلفة بتلقي هذه المساعدات هي الهلال الأحمر السوري، وتم التنسيق معه ومع هيئات الإغاثة للوقوف عند حجم المساعدات والفجوات المتبقية بهذا الشأن.

لقد تجاوبت عدة دول وقدمت مساعدات لسورية لكن حجم ونوعية هذه المساعدات لم يكن بالمستوى الملبي للاحتياجات، هناك تضرر كبير في مناطق الشمال الغربي أو المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، مع العلم انه تأخر كثيرا تقديم او طرح تقييم مستقل للأضرار بالمنطقة حيث ان الاحتياجات لا تزال ضخمة.

مساكنهم انهارت أو في وضع لا يمكنهم البقاء فيها وكانت هناك أزمة إنسانية وسياسية وأمنية معقدة قبل الزلزال، والآن أضيف إلى ذلك زلزال مدمر، وفي الحقيقة هناك نوع من الإحباط والبشر في حالة نفسية يرثى لها. مثلا كان هناك أب في الأربعينيات مع أسرته، كان لديه ثمانية أطفال فقد منهم ثلاثة بسبب الزلزال كما فقد مسكنه جراءه. بعدما سئل كيف عاش لحظات الزلزال، قال إنه سمع صوتا مدويا لم يسبق له أن سمعه، تفوق حدته صوت الطائرات الحربية أو الصواريخ، فذاكرته المرجعية مبنية على الحروب وويلاتها، وأقرب صورة له هي صورة الحرب لتقييم عنف الزلزال، وقال: هناك أطفال محتاجون وحالتهم النفسية صعبة جدا، وهناك أطفال في المستشفيات لا يعرفون لحد الآن إن كانت عائلاتهم على قيد الحياة أم لا،البعض منهم فقدوا كل أفراد أسرهم ولا يعلمون بذلك بعد،أتمنى أن يكون الدعم من الجميع ولجميع المتضررين، والدعم لا يكون بالمال فقط، بل بكل أنواع المساعدة حتى تصل المساعدة لكل محتاج إليها وفي كل المناطق.(17)

الدكتورة مايا إسماعيل قالت: عانينا من انقطاع التيار الكهربائي شبه الدائم ما صعب من مهام الإنقاذ الوضع كارثي وما زاد الأمور سوءا البرد والأمطار والعواصف. واصلنا العمل على مدار الساعة لإنقاذ الناجين وانتشار الجثث، أن الحصار لسنوات طويلة أثر على جهوزية القطاع الطبي حيث تسبب نقص المعدات في تضاؤل فرص العثور على مزيد من الناجين لا سيما في ظل الظروف الجوية الصعبة.

حول الاضرار التي تعرض لها سد ميدانكي

الزلزال المدمر والأعنف تقريبا في تاريخ المنطقة، والذي تسبب بكارثة إنسانية نتيجة الدمار الهائل الذي خلف مئات الضحايا. خلق لدى الأهالي في ميدانكي مخاوفهم من التصدع والتشقق الذي تعرض له سد ميدانكي، متداولين معلومات عن مهندسين مدنيين بأن هذا التشقق خطير جدا، وضرورة الابتعاد عن المنطقة لحين تقييم الوضع بشكل كامل.

وبحسب المعلومات الواردة، فإن مدينة عفرين ومعظم القرى المحيط فيها - بما فيها عشرات مخيمات النازحين والمهجرين - مهددة بكارثة إنسانية ومعرضة للغمر والغرق في حال انهيار السد.

تعرض جسر سد ميدانكي، في منطقة عفرين في الريف الشمالي لمحافظة حلب شمالي سورية، لتصدعات طولية وعرضية ضخمة، منع إثرها العبور في المنطقة وإغلاقها بالكامل، جراء الزلازل المدمر.

يعتبر السد عموما، من أكثر المنشآت خطورة فيما يخص قضية الزلازل، والتي يجب أن تصمم بناء على عوامل أمان ضخمة جدا، لتقاوم الزلازل في أشد درجاته حتى درجة 9 ريختر.

خلال العقد الماضي، عانى سد ميدانكي من عمليات إهمال للصيانة، لكل ما يلزم من أجل المحافظة عليه، ما أدى إلى انخفاض عمره الافتراضي وعامل الأمان لديه.

كما نتجت الشروخ الطولية والعرضية في جسم السد، عن عدم وجود مراقبة فنية دائمة لهذا السد لمدة طويلة. (3-4)

وتمثلت الأضرار بتصدعات في الطريق المار بأعلى السد، وهو مشكلة عادية، لكونه طريقا أسفلتيا يمكن معالجته حيث أن هذا الطريق تعرض سابقا لتشققات تمت معالجتها. وسيقي الكشف عن السد سطحيا، ما لم يجرِ استخدام أي أجهزة رصد أو سونار لجسم السد والنواة.

ويحتاج تقييم الأضرار هنا إلى تجهيزات خاصة بالكشف عن السدود الضخمة، وأجهزة استشعار، وسد ميدانكي يعرف أيضا باسم سد عفرين أو سد 17 نيسان، يقع على بعد 70 كيلومترا من مدينة حلب و12 كيلومترا من بلدة عفرين، بالقرب من قرية ميدانكي التي تطل على نهر عفرين، وتبلغ مساحة مستجمعات المياه 527 مترا مربعا، ويتراوح هطول الأمطار سنويا بين 330 و700 ملليمتر. وينبع نهر عفرين من جنوب جبال كارتال في تركيا، ويعبر إلى سوريا حيث يمر عبر مدينة عفرين، ثم يعود إلى لواء اسكندرون.

والسد يوفر ماء صالحا للشرب لنحو 200 ألف نسمة، ويروي نحو 30 ألف هكتار من أشجار الزيتون والفاكهة والمحاصيل الزراعية، وله أهمية كبرى في توليد الكهرباء 25ميغاواط، إذ كان واحدا من مصادر توليد الطاقة الكهربائية لمحافظة حلب. وفي العام 2016، انخفض استخدام المياه في سد ميدانكي، نتيجة المعارك التي دارت في المنطقة، وعقب عملية غصن الزيتون، عام 2018، سيطر الجيش التركي مع مرتزقته من المعارضة السورية على السد وكامل منطقة عفرين.

اضرار الزلزال في مدينة حماه

يعد حي الأربعين الأكثر تضررا في المدينة، حيث انهار عدد من أبنيته بشكل كامل إلى جانب وجود أبنية أخرى متصدعة وآيلة للسقوط، بينما كان الدمار جزئيا في أحياء متفرقة من المحافظة كالعليليات والقصور.

أن نسبة المباني التي احتاجت لإخلاء تجاوزت ال 18% من بناء المدينة، وأن ساكنيها موجودون في مراكز الإيواء، وتم تجهيز5مراكز إيواء لاستيعاب المتضررين من الزلزال ضمن المحافظة، وهي: مركز الصم والبكم، ومدرسة التلمذة البيطرية، ومدرسة إبراهيم حمود، ومدرسة عمر الفرجي، ومركز اتحاد شبيبة الثورة. وإن أعداد المنكوبين والمتضررين من الزلزال في حماة بلغ نحو 5400 شخص، توزعوا على مراكز الإيواء ومنازل المستضافين من أهالي المحافظة.

وأن هناك أكثر من 1200 منزلا ضمن المحافظة تضررت بشكل كلي أو جزئي، إلى جانب أكثر من 450 مدرسة، و175 خزان مياه، و190 بناء حكوميا في حصيلة غير نهائية.

تداعت الأجزاء العلوية من مئذنة جامع عمر بن الخطاب في شارع غرناطة وسط المدينة، وتضرر عدد من جدرانه الخارجية، اضافة لبعض الأضرار في داخل بناء المسجد، بينما اقتصرت الأضرار في جامع الأفندي في منطقة الحاضر على تداعي الجزء العلوي من المئذنة وتصدعها وسقوط جزءا منها، في حين سقط جزء من مئذنة مسجد النور في المدينة وتسبب بالأضرار في باحة المسجد

أكبر الأبنية المنهارة يتألف من 8 طوابق تتضمن 24 شقة انهار منها 12 شقة، في حين تم إخلاء الشقق المتبقية والمهددة بالسقوط. وأرجع رئيس مجلس محافظة حماة مختار حوراني سبب انهيار المبنى المكون من 8 طوابق في حي الأربعين، إلى وجود تسرب للمياه المالحة فيه جعلته آيلا للسقوط. (3-4)

وان عمليات الإخلاء تزايدت في محافظة حماة ضمن أحياء المدينة وريفها، مع استمرار عمل المنظمات ومجالس البلدية في الكشف على الأبنية المتضررة جراء الزلازل المتكررة والهزات الارتدادية التي أصابت سورية عموما، وحلب واللاذقية وحماة بشكل خاص، حيث شددت الفرق الهندسية على ضرورة إخلاء هذه الأبنية والمنازل بشكل فوري ولمدة أقصاها ثلاثة أيام خوفا من حدوث زلازل جديدة قد تضرب البلاد، وتنهار هذه الأبنية على رؤوس ساكنيها.

نشير الى قضية هامة ففي خضم هذه الكارثة، فقد نشطت حركة المقاولين ومتعهدوا البناء في حلب واللاذقية، وحماة بشكل كبير، سعيا من المقاولين ورؤوس الأموال في شراء أراضي الأبنية المدمرة أو التي أُخليت من ساكنيها جراء انهيار جزء منها، أو تصدعها وعدم صلاحيتها للسكن بوضعها الحالي, وبدأ المقاولون وشركات البناء السعي خلف أصحاب هذه الأبنية والمنازل لشرائها على وضعها الحالي مقابل مبالغ مالية زهيدة، سعيا في تقديم أسعار قليلة نسبة لثمنها الحقيقي، لكسب فرصة بحث المنكوبين على وسيلة بديلة للسكن من مراكز الإيواء أو منازل الإيجار ، وهذا ما يزيد الضغط على المنكوبين وأصحاب هذه الأبنية المخلية في القبول لبيع حقوقهم في منازلهم وأبنيتهم، ولكسب هذه المبالغ رغم بساطتها علها تأويهم في إحدى المناطق النائية في المدينة أو في منزل صغير ضمن قرية قريبة من المدينة، مع عدة وعود من مصادر حكومية من داخل محافظة حماة تحدثت للمنكوبين بأن الحكومة تسعى لتأمين دعم مالي من الخارج ومن الدول الداعمة لبناء أبنية جديدة للمنكوبين، ولكن يتم تسليمها دون كساء أو فرش، ودون تعويضهم بمبالغ مالية لذلك، ولكن يتم تقديم قروض من مصارف وبنوك الحكومة السورية بدون فائدة من أجل عمليات الإكساء والفرش، وهو ما رفضه المنكوبون بشكل قاطع بسبب أن معظم المنكوبين وخاصة في حلب واللاذقية وحماة هم من أبناء المناطق الشعبية الفقيرة ممن لا يملكون قوت يومهم قبل حدوث الزلزال.(15-16)

السيد طلال الشايب قال لنا: لم تتوانى الجمعيات الخيرية في حماة على إيوائنا مع عائلاتنا، بالإضافة إلى تقديم منازل مدفوعة الإيجار لمدة عام كامل حتى يتم البت في مصيرنا، وكل الشكر بالفعل لتلك الجهود المقدمة منهم, لكن يبقى السؤال : أين الحكومة من ذلك، فالحكومة تتكئ على المنظمات الدولية والمحلية والدعم المحلي من أبناء المحافظة في دعم المنكوبين، وكأن البلاء لم يكن على أحد من مواطنيها، وتقف عاجزة دون حراك على تقديم أدنى مساعدة أو مساهمة لنا، وسط تعتيم كامل من قبل الحكومة على مصيرنا المجهول ومصير منازلنا التي دمرها الزلزال .

وأشار عمر الخليفة الى أنهم كانوا يتمنون أن يسمعوا خبرا جيدا من قبل الحكومة السورية يفيد بأي تطمينات على دعم هذه العوائل ماديا حتى عودتهم إلى حياتهم الطبيعية، أو تأمين أبنية جديدة حتى في مناطق محدثة لإيواء هذه العوائل التي قد يواجها التشرد بعد عام من يومهم هذا، بعد انقضاء فترة الإيجار المدفوعة من قبل المنظمات المحلية، ولكن لم يتم التطرق ولا بأي خطاب رسمي أو بشكل مباشر لهم من قبل أي مسؤول على صعيد الدولة والقيادة السورية أو على صعيد محافظة حماة.

ويطالب بأسم المنكوبين في محافظة حماة بضرورة وضعهم في صورة الوضع الحالي والمخطط لهم من قبل الحكومة السورية، تصف لهم مصيرهم وأين ستكون منازلهم التي من الواجب على الحكومة السورية تعويضهم بها.

تصف السيدة زينة علواني الناجية من الزلزال في مدينة حماة السورية، اللحظات الأولى التي عايشتها بعد وقوع الهزة الأرضية التي غادرت على إثرها منزلها في حي الأربعين شمال شرق المدينة. قائلة: لحظة وقوع الزلزال كنت مع ابنتي الرضيعة لتنام. شعرت بالهزة الأرضية فناديت زوجي الذي استيقظ فورا لنغادر المنزل، وعندما وصلنا إلى مدخل البناء كان النصف الثاني منه قد انهار تماما ولم نعد نشاهد شيئا سوى الغبار. مرت عدة دقائق كانت أشبه بما يروى عن يوم القيامة، قبل أن أستوعب أني ما زلت على قيد الحياة ومعي عائلتي.

وتحكي زينة عن مصاب سكان الحي: توفيت قريبة لي وعائلتها في انهيار البناء، ولا أعلم مصير جيراني المقربين تحت الأنقاض، والذين كانوا بمثابة أهل وعائلة لي، أما نحن الناجين فمنا من ذهب إلى مراكز الإيواء ومنا من لجأ إلى منازل أقربائه في المدينة كحالنا، إننا مصدومون وعاجزون عن الحركة أو التفكير. في الصباح نبكي من فقدناهم، وليلا يتجدد الخوف من تكرار ما حدث. ويبقى إيماننا بالله كبيرا.

الهزات الارتدادية والتنبؤات التي غزت مواقع التواصل الاجتماعي اصابت الأهالي بحالة من الخوف والهلع وأدخلتهم المشافي وقسما منهم نزلوا إلى الشوارع خوفا من حدوث انهيارات في الأبنية المتصدعة وخوفا من الشائعات الكثيرة التي غزت مواقع التواصل الاجتماعي وكانت تتحدث عن زلزال سيضرب المنطقة.

عشرات الأبنية المتضررة والمئات من الأبنية المتصدعة شردت الالاف من الأسر التي وجدت نفسها بين ليلة وضحاها في الشوارع أو ضمن مراكز للإيواء أو عند أحد أقاربهم على أفضل تقدير، غير أن ما زاد من المعاناة التي عاناها الأهالي عقب الزلزال هو الطقس الشديد البرودة والعاصفة القطبية التي تعرضت لها سورية.

والخوف من الهزات الارتدادية التي لم تتوقف حتى الان منذ وقوع الكارثة دفعت العديد من الأهالي إلى ترك منازلهم وخاصة تلك التي تصدعت ريثما يتم الكشف عليها من قبل اللجان المختصة التي عينتهم محافظة حماة وبالتعاون مع نقابة المهندسين من أجل دراسة أوضاع المنازل والأبنية ومدى صلاحيتها للسكن وسلامتها على السكان. ولجأ البعض إلى أقاربهم أو جيرانهم والبعض الآخر ما زال ينام في السيارات ضمن الشوارع خوفا على حياة أطفالهم كما يقول ماهر الحايك وهو أحد سكان منطقة الأربعين، لكن العديد من الأسر لا تملك تلك الخيارات لتلجأ إليها فاضطرت إلى البقاء ضمن منازلهم الغير آمنة في تلك المنطقة. ولسان حالهم يقول: إما أن نموت في الزلزال او من البرد وهما خيارين بيد الله ولا نملك شيء لنفعله إلا البقاء في المنزل كي لا يتجمد الأطفال من البرد.

السيد جبران سليمون وهو خمسيني مع عائلته استمروا في البقاء في سيارتهم الخاصة ضمن حديقة الثورة في منطقة القصور لأكثر من أربعة أيام متواصلة ومن ثم ذهبوا إلى منزل جدهم في الطابق الأرضي لتلافي قوة الهزات الارتدادية التي يشعر بها سكان الطوابق المرتفعة كما في منزلهم في الطابق الرابع في منطقة القصور. ويضيف سليمون أن عائلته وبناته غير مهيئين نفسيا للعودة إلى المنزل بعد أن فقدت اثنتان من بناته الثلاثة القدرة على النوم منذ أيام عديدة بالإضافة إلى شعورهم بالذعر عند سماع أي صوت بالقرب منهم حتى وإن كان صوت إغلاق أحد الأبواب في المنزل.

الأستاذ سجيع الخالد قال عن الهرات الارتدادية ان بعضها كانت قوية حيث أنه وعائلته نزلوا إلى الشارع تاركين منازلهم خوفا من حدوث أي هزة ثانية ليجدوا أن جميع الجيران قد نزلت إلى الشوارع بثياب النوم. وهو من سكان حي الأربعين أنهم نزلوا إلى الشارع بعد انتهاء الهزة حيث أن مدتها لم تكن طويلة وعلى الرغم من ذلك الخوف والرعب الذي عانت منه عائلته دفعهم للهرب فورا. ويضيف: بعد نزولنا للشارع فقدت إحدى بناتي الوعي واصفر وجهها من الخوف فتوجهت على الفور إلى المشفى لأجد العديد من الحالات المشابهة التي راجعت المشفى لنفس السبب.

يصف الدكتور سامي وهو طبيب إسعاف لدى المشفى الوطني في حماة الحالات التي راجعت المشفى بالحالات البسيطة في أغلبها وكلها كان سببها الخوف والهلع ما أدى بهم إلى ضيق في التنفس وصعوبات في البلع والكلام.

ويضيف أن متابعة الأخبار بشكل مستمر عبر التلفاز أمام الأطفال في المنزل وكثرة الأخبار الكاذبة والشائعات التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي كان له الأثر الكبير في إرهاب الناس وخاصة الأطفال واليافعين وبث الهلع في نفوسهم لينتهي بهم المطاف في المشافي.(7)

وبحسب الدكتور ان أكثر من 250 حالة راجعت مشفى حماة الوطني لنفس السبب ناهيك عن الأعداد التي راجعت المشافي الخاصة القريبة من منازل الناس ومن الواضح أن الأعداد كبيرة وتدل على صدع نفسي كبير لدى الأهالي.

وكانت قد ضربت مدينة حماة مع باقي المدن السورية أكثر من 70 هزة ارتدادية شعر بهم الأهالي بشكل واضح في الليل والنهار ما ترك أثرا سلبيا لديهم خوفا من حدوث زلزال مدمر، فيما تواترت بعض الأخبار عن سقوط مباني في حي جنوب الملعب وفي القصور.

وتحولت عدة ليالي في مدينة حماة إلى نهار بعد نزول الأهالي إلى الشوارع وركن سياراتهم بالقرب من الحدائق والأماكن المفتوحة لاسيما في منطقة الفروسية وحديقة الثورة والشوارع الرئيسية ليبات الكثير منهم في سياراتهم مفضلين عدم العودة إلى المنازل حفاظا على صحة أطفالهم الذين عانوا من أعراض نفسية كبيرة.

وسط الظروف العصيبة التي يمر بها السوريون في الداخل السوري، قبل وبعد الزلزال، تزايدت ظاهرة احتكار التجار للبضاعات والسلع المطلوبة للمعونات والمساعدات الإنسانية الموجهة للمنكوبين بشكل كبير، وتحكم بالأسعار، رفع سعر البضاعات المطلوبة بما لا يقل عن 30 بالمئة من سعر ثمنها قبل الزلزال.

هنالك شح كبير يواجهه السكان على صعيد حليب الأطفال، للأطفال الرضع، وخاصة من عمر الستة أشهر وحتى السنة، وأن احتكار التجار ورفع أسعار السلع غير المنطقي في هذه الظروف العصيبة والكارثة الإنسانية أمر غير مقبول ومن الواجب فضحه على وسائل التواصل الاجتماعي، فالعديد من الصيدليات ومراكز التسوق عملت على إخفاء علب حليب الأطفال والسلع المطلوبة بشكل كبير للمعونات، إما خوفا من فقدانها وانقطاعها من الاسواق، أو احتكارا لها لـ التلاعب بأسعارها، وبكلا الحالتين الأمر مرفوض نسبة للظروف الراهنة وعدم وجود سبل أخرى لتأمين مستلزمات الأطفال وهذه العائلات المنكوبة في مراكز الإيواء دون مأوى. وقد بحث الكثير من أهالي محافظة حماة عن سبل لتأمين حليب الأطفال، ولكن الأزمة شملت عموم المحافظات السورية، بسبب السعي لتأمينها لحلب واللاذقية أيضا، مع ازدياد أعداد المنكوبين والمتضررين في مراكز الإيواء، وتزايد الحاجة لحليب الأطفال بشكل ضروري وعاجل.

أن المستودعات الدوائية في المحافظات المنكوبة هي المسبب الرئيسي لهذا النقص الحاد على صعيد هذه المادة، بسبب تسليم خمس علب كحد أقصى لكل صيدلية مقابل شراء أدوية أخرى لا يوجد طلب عليها.

تعاني محافظتي اللاذقية وحماة هذا النقص منذ شهور قبل حدوث الزلزال، ولكن بعد الزلزال أصبحت الحاجة ماسة والنقص أصبح حادا وسط عدم قدرة تأمين هذه المادة بشتى الوسائل، وأن عددا من الأهالي سعوا إلى تأمين هذه العلب من مدينة حمص، ولكن حمص اليوم باتت تعاني الحال ذاته.(7)

الاضرار التي سببها الزلزال في مدينة جبلة

أعلنت الحكومة مدينة جبلة في محافظة اللاذقية منطقة منكوبة كحال المناطق الأخرى المتضررة جراء الزلزال، وباتت المدينة مشوهة بتشققات وتصدعات خلفها الزلزال، ووجد كثير من المتضررين من الزلزال أنفسهم بلا منازل وتوجهوا إلى مراكز ايواء مؤقتة في المساجد والمشافي والملعب الرئيس في المدينة وبعض مبرات التعزية في القرى القريبة من المدينة، بعدما تسبب الزلزال بدمار عشرات الأبنية فيها، ومحاصرة مدنيين تحت الأنقاض ونزوح الناجين من منازل وأبنية متصدعة.

عند مدخل المدينة، جرى إخلاء ثمانية عمارات متلاصقة من سكانها. ويظهر على كل منها صدع كبير يمتد من الطابق الأرضي حتى السطح.

دمر الزلزال أكثر من 130 مبنى سكنيا في المدينة وريفها بشكل كامل، بينما لا يزال 130 مبنى آخر مهددة بالانهيار في أي لحظة.

ووجد حوالي 15 ألف شخص أنفسهم مجبرين على مغادرة منازلهم، واللجوء إلى مراكز ايواء مؤقتة في المساجد والمشافي والملعب الرئيسي في المدينة.

وقال السيد علاء المحمود وكان بعمل بمهنة الحدادة: إنها المرة الأولى التي تشهد فيها جبلة فاجعة مماثلة، أبلغ من العمر 52 عاما ولم أر شيئا مماثلا في حياتي، هذا رعب لا يمكن وصفه، ويؤكد المحمود، وهو أب لأربعة أطفال ويقطن حاليا في منزل متصدع يشرف على بناء منهار، ويضيف/ سألت أمي البالغة من العمر 80 عاما، وأخبرتني أنها لم تشهد في حياتها شيئا مماثلا على الإطلاق.

ويقول ناصر الابراهيم 51 عاما: هذه أول كارثة أواجهها في حياتي، تم انقاذنا زوجتي واطفالي بعد ما تم تدخل فريق إنقاذ وفد من الإمارات العربية المتحدة في مبنى سوي أرضا بعدما قسمه الزلزال إلى جزأين، انهار الأول على الفور متسببا بمقتل 15 شخصا من قاطنيه، بعدما بقي القسم الثاني معلقا في الهواء، وتمكنت فرق إنقاذ من إجلاءنا مع العالقين منه بواسطة رافعة.

في حي الفيض وسط المدينة، تجمع العشرات من الناجين في مسجد تحول إلى مركز إيواء مؤقت ريثما يحدد مصير العائلات التي لم تعد منازلها آمنة.

وتقول ميساء يوسف (42 سنة): سأضع خيمة في الطريق إذا لم أتمكن من العودة إلى المنزل. وهربت فاطمة مع زوجها وأولادها الأربعة من منزلهم المتصدع الاثنين خشية انهيار السقف فوق رؤوسهم. وتضيف: لا أستطيع الأكل ولا أستطيع النوم، وأشعر بالذعر عند أي اهتزاز صغير.

يلاحق الذعر الناجين من الكارثة ومنهم السيدة الهام الياسين التي تمددت على أرضية المسجد وحولها أطفالها الثلاثة. وتقول بحرقة: أين سأذهب؟ لا يوجد مكان آمن سوى المسجد، وتضيف وهي تغص باكية: نبحث عن الأمان فقط، أي مكان فيه أمان سنذهب إليه. (7)

الاضرار التي سببها الزلزال في مدينة اللاذقية

الإحصائيات الحكومية وغير الحكومية تشير إلى قضاء أكثر من 1700ضحية في اللاذقية بسبب الزلزال وإصابة أكثر من 4000 بجراح، وتجاوز عدد المتضررين المليون و800ألف شخص ودمار أكثر من 200منزل وتصدع 500آخر.

ورغم العمل المتواصل لاستيعاب الذين تشردوا بسبب الزلزال في مراكز الإيواء، وانخراط آلاف المتطوعين في جهود المساعدة، إلا أن العدد الأكبر من العائلات لم تجد أماكن لها، فإمكانيات مراكز الإيواء محدودة، وبالتالي كان أمام هؤلاء خيارين: إما البقاء في منازلهم المتصدعة، أو الانتقال إلى منازل أقاربهم.

كل ذلك دفع بالجهات الحكومية والأهلية الى تجهيز مراكز إيواء وتقديم المساعدات الطبية والغذائية للذين تشردوا وتوزعوا على 70مركز إيواء.

كما جهزت المدارس غير المتضررة لاستقبال المتضررين، وقد رفض البعض ترك منزله المتصدع مفضلا البقاء فيه على أن ينتقل إلى مركز إيواء.

ومن يتجول في اللاذقية وريفها يشاهد حجم الركام والدمار، الذي يحتاج الى أشهر طويلة لإزالته فيما تحتاج إعادة الإعمار لسنوات بسبب ما عانته سورية خلال الحرب وبفعل العقوبات والزلازل.

يلقي السكان باللوم على منفذي العمارات والأبنية ويعتبرون أن تلاعبهم بالمواصفات اللازمة للبناء السليم، بهدف الحصول على أكبر قدر من الأرباح، هو ما أوقع مئات الضحايا، ويحاول السكان التعافي من آثار تركها الزلزال المدمر، لكن ما يصعب المهمة هو تكرار الهزات الارتدادية التي تفزع كبيرهم وصغيرهم من آن لآخر.

فقدت آلاف العائلات في اللاذقية منازلها، إما هدما، وإما تصدعا يفرض هدمها حفاظا على السلامة العامة، جراء الزلزال، وبين هذه الأبنية وتلك مئات الأبنية التي باتت غير صالحة للسكن قبل ترميمها وتدعيمها.

وبحسب أرقام أولية لنقابة المهندسين، فإنه جرى تسجيل 900 مبنى متضرر بالكامل، وهو إما مهدم، وإما آيل إلى السقوط، وهناك 3100 منزل في حاجة إلى تدعيم، و11500 تحتاج إلى صيانة، من أصل 25 ألف منزل تم الكشف عليها.

السيدة ام فادي وهي خمسينية جلست مع عائلتها في بهو أحد الفنادق تروي الكابوس كما عاشوه لثواني وتقول: هربنا الى أحد الفنادق بعد حدوث الزلزال بحوالي الساعة لأننا نسكن في أحد الأبنية البرجية، كما فعل سكان كل البرجيات باللاذقية والذين تضرروا من الزلزال لقد اصابنا الخوف والرعب بشكل لا يمكن تصوره ومازلت اسمع صوت الأرض وهي تزلزل ونصرخ وندعو الرب لقد كان كابوسا مرعبا، انها لحظات لا يمكن ان تنسى ابدا، ولن ارجع الى بيتي حتى لو تم الكشف عليه وتبيان حجم التصدعات وخاصة في الاعمدة، لقد سقطت قطع من الدربزون. (3-4-7)

القسم الأعظم من المتضررين من الزلزال، اضطر إلى النزوح بعيدا إلى منازل يمتلكونها في القرى الجبلية المحيطة، أو إلى أقرباء او أصدقاء لهم في ريف اللاذقية، استضافوهم بعيدا عن حالة خوف التي تتجدد تبعا لتكرار الهزات الارتدادية.

لكن ما بعد الزلزال نشأت متاعب جديدة كرستها الأوضاع في مراكز الإيواء التي أقامتها محافظة اللاذقية، حيث ضمت آلاف الأشخاص من المتضررين والذين لا يمتلك كثيرون ممن قصدوا هذه المراكز خيارا آخر، فهم إما فقدوا منازلهم بالكامل ونجوا بأرواحهم، وإما تصدعت منازلهم، إلى درجة تصعب العودة إليها.

في مركز إيواء المدينة الرياضية 3 صالات تضم أكثر من 3500 شخص، يفترشون أرضية الصالات الرئيسة المغلقة، أو وجدوا أماكن لهم خلف المدرجات، في تلك المساحة، بدأ العمل بإقامة غرف خشبية للفصل بين العائلات. عائلات جاء معظمها من مناطق تضررت بقوة من الزلزال، من الجنديرية والرمل الجنوبي والشاليهات، تفتقد تلك المراكز خصوصية تحتاج إليها العائلات، وتعاني ضغطا شديدا على مرافقها الصحية، كونها ليست مجهزة أساسا لتكون مراكز إيواء.

على الساحات العشبية بالمدينة الرياضية الممتدة يشرف متطوعون من جمعيات أهلية على الأطفال، ساعات للعب الجماعي والتسلية ضمن خطة مواجهة صدمة ما بعد الزلزال، بينما يمضي أطفال آخرون ساعات مع ذويهم بما يشبه النزهة،ان مركز المدينة الرياضية، في صالاته الثلاث، هو الأفضل بين مراكز إيواء المحافظة، لكنه بالتأكيد الأكثر استيعابا، الأمر الذي جعله مقصدا لعشرات الوفود الزائرة،وفود من وكالات ومكاتب الأمم المتحدة والصليب الأحمر والصحة العالمية وممن رافقوا شحنات معونات من الامارات وعمان والبحرين و إيران والعراق وروسيا وبيلاروسيا والهند والبرازيل وفنزويلا واليمن.

تنوع وصول المعونات برا وجوا وبحرا ، فأكثر من 76 طائرة معونات إغاثية حطت في مطار اللاذقية حتى الـ 25 من شباط، وسفينتا نقل مصريتان حملتا 1500 طن من المساعدات إلى مرفأ اللاذقية، ومئات الشاحنات القادمة عبر الحدود السورية العراقية، محملة بأكثر من عشرة آلاف طن من الأغذية والألبسة والأدوية.

ومساعدات نقلها متطوعون من الحشد الشعبي والعتبة المقدسة وحزب الدعوة، ومئات أخرى من الهيئة الصحية الإسلامية وحزب البعث وفعاليات لبنانية متعددة، وكذلك الأمر عبر معبر نصيب عند الحدود السورية الأردنية، مقدمة من الحكومة الأردنية والكنيسة الأرثوذكسية في عمان وفعاليات أردنية وفلسطينية، اضافة لقوافل الإغاثة القادمة من المحافظات السورية والشاحنات الروسية واللبنانية والعراقية.

فقد حول العراقيون ساحة المنطقة الحرة قرب المرفأ والراموسة بحلب وساحة العاصي بحماه إلى ساحات عمليات لفزعتهم، أقاموا مطبخا مجهزا لتقديم 15 ألف وجبة إفطار يوميا في كل ساحة، ومثلها للغداء، وأخرى للعشاء، وجهزوا مخابز متنقلة تقدم مئات الكيلوغرامات من الخبز يوميا، وكل هذا تنقله شاحنات متوسطة الحجم في اتجاه ريفَي جبلة واللاذقية وحماه وريفها وريف ادلب واحياء حلب، وبالتنسيق مع المؤسسات الحكومية، من أجل استهداف أكبر عدد ممكن من المتضررين والذين لم تصل إليها المعونات.

من النادر جدا ان نجد عائلة لم تتضرر من الزلزال في اللاذقية، فمن لم تتأثر مباشرة أصابتها تداعيات الزلزال، خوفا وهلعا، مما أدى الى تراجع حاد في الأعمال اليومية، من بيع وشراء، في ظل أزمة معيشية خانقة سبقت الزلزال، ربما هذا يفسر سؤال كثيرين عن خطط تدعيم منازلهم وصيانتها، كونها أولوية تتقدم على المعونات الغذائية، على الرغم من أهميتها.

السيد فراس محمود عنتر واحد ممن يحاولون العودة لحياتهم الطبيعية بعد الزلزال وقال ان إمكانياتي المالية محدودة، ونحن بحاجة ماسة للدعم لترميم منزلي، وهو يتمسك بالمكان الذي قضى فيه عشرات السنين من عمره الثمانين، وبعد لجوئه الى منزل ولده، وفي حديقة منزل اللجوء أصبح يستقبل أصدقائه، بعدما دمر الزلزال منزله، يجلس مرتديا عباءته على كرسيه المتحرك تحت شجرة ضخمة وارفة الظلال تطل على الطريق العام حيث يتلقى التحيات من العابرين، ساعيا لاستعادة عاداته اليومية، التي لم يتمكن الزلزال من تبديلها.

في حديقة منزله المزروعة بأشجار البرتقال، يقول السيد جعفر حيدر
: أنا عامل زراعي دخلي محدود، ولا أملك مالا لإصلاح المنزل، لقد تصدعت غرف المنزل أجبرنا مع العائلة على الإقامة في غرفة واحدة بقيت سليمة، ليس بمقدورنا ترميم المنزل في وقت قريب، وترفض زوجته الذهاب الى مركز إيواء خوفا من الامراض والشرشحة وعدم الاهتمام الصحي وقالت: أنا مريضة قلب وسكري، أفضل الموت في منزلي على الذهاب إلى مركز الإيواء.

لقد قضى الزلزال على عائلات بأكملها، وفي بعض الحالات لم يبق من الأسرة إلا شخص واحد، مثل عبير التي لا يتجاوز عمرها 15 سنة، فقدت أبيها وأمها وأخيها، وبقيت وحدها، لا تقوى على تجميع الكلمات، لتحكي كيف خرجت من تحت الركام لتفجع بوفاة العائلة، قبل أن تنتقل لتعيش حاليا في منزل جدها، وقالت: تم إنقاذي أولا، وبعد يوم أخرجوا الباقين ميتين، لم يبق منهم أحد.

قابلنا آخرين قتل الزلزال كل أفراد عائلاتهم. من بينهم طفل يسمى سيمون، عمره 15 عاما، نجا هو وأخته ذات السنوات التسع.

أما الشاب العشريني جوزيف، الذي يدرس الهندسة في جامعة حلب، فقد عاد إلى منزل العائلة في محافظة اللاذقية، لينتشل جثث أبيه وأمه وأخويه من تحت الركام، وبقي وحيدا فكل أفراد عائلة جوزيف قتلوا في الزلزال، وقال إنه يطالب السلطات السورية أن يحاكموا منفذ البناء والمهندس المشرف بالإعدام شنقا في موقع المبنى المدمر، الذي قضت فيه عائلتي، لم يبق لجوزيف شيء ليظل من أجله حيا، يعتزم العودة إلى جامعته في حلب، وسيحاول تأمين عمل من اجل مصروف دراسته لعله يستطيع استعادة حياته الطبيعية.

يقول الدكتور علم الدين السعد: يرافق الزلازل كثير من الآثار الكارثية، والتي قد تفوق أضرارها الزلازل، مثل حدوث تسونامي وحرائق وأوبئة وأمراض، وربما أزمة صحية كبرى قد تتجاوز أضرارها خسائر الزلزال وكذلك التخوفات من انتشار وباء الكوليرا الذي ظهرت بعض حالاته في سورية قبل الأزمة، والاخطر تجار

ومرابي ومافيات الكارثة مستغلين الازمة والكارثة، واصحاب العقارات باللاذقية التي لم تضرر اصبحوا بلا رحمة ولا إنسانية لتحكمهم بالبشر المحتاجين, فعلى سبيل المثال، لقد أصبح إيجار المنزل الذي كان 400 ألف قبل الزلزال ما يقارب مليوني ليرة في اللاذقية والبيت الذي كان اجاره 200 الف ليرة قبل الكارثة اصبح مليون ليرة وعقد الاجار أصبحت شهرية غير قابلة للتجديد، واذا ما عجب المواطن المحتاج الى سقف يأويه فالله معاه والطلب على الايجارات ارتفع بصورة كبيرة مقابل عرض قليل، وخاصة للطوابق غير العالية أي لعند الطابق الثاني.

يقول السيد سمير أبو انس احد أصحاب المكاتب العقارية باللاذقية : قبل الزلزال كان يردنا طلبا إيجار يوميا أما الآن فيصل عدد الطلبات حتى 40 يوميا على سبيل المثال، وهذا ما جعل الأسعار تقفز بصورة مرعبة ليصبح إيجار البيت الذي كان ب 400-500 ألف قبل الزلزال مليوني ليرة وأكثر بعده, حيث إن الطلب يكون بشكل رئيسي على الطوابق الأرضية وبالمناطق المجاورة للمدينة، ولفت إلى أن أعلى سعر لشقة مفروشة بموقع مميز كان بحدود مليون ليرة قبل الزلزال، أما الآن فالبيت العادي أصبح يؤجر ب 1.4 مليون، والغرفة الفارغة 150-200 ألف, فالمواطن المتضرر من الزلزال يريد ان يعود الى حياته الطبيعية لكن الظروف تسير بعكس رغبته ,لا احد يرحمه ولا احد يريد مساعدته لا حكومة ولا شبكات أهلية ولا مدنية, ببساطة شديدة وحقيقية : إن صاحب العقار هو من يتحكم بالسعر، فهو مدرك أن العالم بحاجة المنزل مهما طلب من سعر، من جهة ثانية إن حركة البيع والشراء متوقفة بشكل كامل ضمن المدينة والريف .(7)

قال المهندس جمال غنوم وهو مهندس مدني: تسبب الزلزال بانهيار المنازل وتضرر البعض منها بشكل كبير. انهار منزل أخي فذهبنا نرى ما حصل بالضبط وبدأنا نبحث بين الأنقاض لإنقاذهم. ولكن للأسف بقينا لمدة يومين نبحث عن الجثث بسبب قلة المعدات.

أضاف الأستاذ جمال :استطعنا أن نجد جثة أخي وزوجته، وبعد يوم واحد عثرنا على جثة ابنهما، وبقي ابناهما الثاني والثالث على قيد الحياة وهما في المستشفى الآن وأصبحا أيتاما دون أب أو أم، وان خوفنا على حياتنا الدائم من الزلزال والهزات الارتدادية تدفعنا بالذهاب كل يوم الى مكان معين لنبقى في أمان من الزلزال الذي قد يحصل في أي وقت، وذلك لان المنازل متصدعة من قوة الزلزال و أيام القصف والحرب، لا تتوفر الاحتياجات الضرورية بسبب حياة الحرب المستمرة حتى الان وهي صعبة جدا، والبرد قارص والمعيشة صعبة جدا، حتى قبل الزلزال كانت الحياة صعبة ولا يتوفر لدينا أي خدمات، وناشد السيد جمال غنوم المجتمع الدولي رفع الحصار عن سورية، ونحن بلد منكوب ونطالب بالمساعدة.

قال مسؤول منظمة الاغاثة الدولية في سورية السيد سمير زخور وفي 27 شباط: الوضع مأساوي أكثر من الصور بكثير. سورية بحاجة لفك الحصار عنها. أطالب أن تصل هذه الصرخة لكل المجتمع الدولي لفك الحصار عن سورية، لا يوجد لدينا مساعدات، لكن نشكر حكومة العراق والجزائر والإمارات على إرسال المساعدات لكنها غير كافية. إمكانياتنا محدودة جدا والناس لم تنم بسبب الزلزال، هنالك طلب كبير على الاحتياجات الضرورية التي لا نستطيع تلبيتها، نحن بحاجة ماسة إلى بطانيات وألبسة وأغذية وخيم لأننا نعاني من برد قارص. نحن بحاجة لسيارات الاسعاف والوقود ومولدات الكهرباء.

طالب زخور المجتمع الدولي برفع الحصار قائلا: هل الشعب السوري أصبح نكرة؟ هل الشعب السوري هو خارج نطاق الإنسانية؟ الشعب السوري قدم الكثير لكل المجتمعات الدولية.

أما السيدة غالية مراد التي أطلقت مع مجموعة من المتطوعين حملة تبرع بالدم الى اللاذقية لإنقاذ الجرحى، فقالت: في اللاذقية تهدمت المنازل وتشرد الناس. هناك دمار مخيف علاوة على الحرب والفقر.

حول دخول المباني من اجل انقاذ الأشياء الثمينة

عقب الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية وخلال عمليات البحث عن ناجين تحت الأنقاض،عدة صحف ومواقع ووسائل تواصل تداولت أخبار عثور فرق الإنقاذ على مبالغ نقدية ضخمة، وكميات كبيرة من الذهب والخزائن المقفلة، وأشياء ثمينة أخرى.

عندما يعثر أفراد الأمن والجيش وفرق الإنقاذ العاملين في منطقة الزلزال على أشياء ثمينة يقومون بنقلها إلى منطقة آمنة وسرية عن طريق إبلاغ مكتب المدعي العام والشرطة، وتسجل الفرق المسؤولة عن نقل هذه الممتلكات معلومات الأشياء التي عثر عليها، ومكان العثور عليها.

وتفرز هذه الأشياء ويتم تسليم الممتلكات التي يمكن الوصول لصاحبها بسرعة مثل المحفظة وجواز السفر وسندات ملكية، وغيرها من الممتلكات. ويجب على الأشخاص الذين فقدوا اشياء مثل خزائن مالية أو مجوهرات ونقود، التقدم بطلب إلى مراكز الشرطة وإثبات ملكيتهم لهذه الممتلكات من أجل التمكن من استعادتها.

أما الأشياء التي لا يمكن تأكيد مالكها أو لم يتقدم أحد للحصول عليها، ستذهب لخزينة الدولة بعد مهلة مدتها سنة. رغم انه حاول العديد من الأشخاص الذين تضررت منازلهم بشدة، دخول المنازل من أجل أخذ ممتلكاتهم واشيائهم الثمينة.

منعت لجان الكوارث والطوارئ دخول المواطنين المباني التي اعتبرت أنها متضررة أو مدمرة ولو لفترة قصيرة من أجل أخذ الممتلكات منها. وان تصريحات دخول جميع المباني المتضررة بشدة من أجل أخذ الممتلكات، بما يتماشى مع تقرير الخبراء المعينين من قبل وزارة البيئة الحكومية في أماكن سيطرة الحكومة السورية.

الحصول على تصريح سيمكن أصحاب المنازل المدمرة بشدة، والذين لم يقدموا اعتراضا على تقييم المنزل، من أخذ ممتلكاتهم بالتنسيق مع الخبراء من وزارة البيئة، وفي حال سجل المبنى من قبل الخبراء على أنه خطير ويمنع الدخول أليه، فلن يسمح بدخول المواطنين ابدا.

أما المباني التي يصرح بدخولها لمدة 30 دقيقة، يسمح بدخولها من أجل أخذ الأشياء الثمينة مثل نقود وأوراق ثبوتية ومجوهرات فقط. وفي حال التصريح عن إمكانية دخول المبنى لمدة ساعتين، سيتمكن أربعة أشخاص كحد أقصى من دخول المبنى وأخذ متعلقاتهم خلال هذه المدة. عمليات دخول المنازل المتضررة سيكون بإشراف الشرطة وفرق الإخلاء. (7)

انصب اهتمام الأهالي والمجتمعات الاهلية السورية على مراكز الإيواء المؤقت الكبيرة، وبذلت عائلات سورية معظم ما تملكه لإكرام ضيوفها الذين لجؤوا إليها، قبل أن يقومون بالبحث عن النازحين في منازل الأهالي لتقديم ما يمكن تقديمه مواد غذائية، وحليب للأطفال، وأدوية، وملابس، وبعض وسائل التدفئة.

حول اللجوء الى الخيم

ولا تنتهي مأساة العائلات في الشمال السوري، عند اللجوء إلى الخيمة، هربا من تصدع الأبنية أو خشية انهدامها متأثرة في الهزات الارتدادية أو زلزال جديد، إنما بات تأمين الخيمة شبه مستحيل، بسبب الضغط الكبير الواقع على الفرق الإنسانية المستجيبة للعائلات المتضررة إثر الزلزال.

يقدر كلفة الخيمة 1,6 مليون ليرة الى حدود المليونين وقد تصل الى 3 مليون ليرة سورية، وهي تكلفة مرتفعة وثقيلة، وأصبح تصنيع الخيمة، خيارا صعبا على الأهالي، ومع زيادة الطلب على الخيام، يشتكي السكان من ارتفاع أسعارها ويرده بعضهم لجشع التجار واستغلال الأزمة.

السيد عمر أبو فاروق وهو حداد مختص بصناعة للخيام، يقول: أن تكاليف التصنيع ارتفعت بسبب زيادة سعر الحديد من المصدر، وذلك بسبب إغلاق الحركة التجارية، واحتكار بعض التجار للمادة وتخبئتها استغلالا للأزمة وطمعا في مرابح أكبر في المستقبل. إن طن الحديد ارتفع من مليون و600 ألف ليرة الى ما يقارب ال 7 ملايين، وبالتالي أدى ذلك إلى ارتفاع تصنيع الخيمة، بينما كان إيجار تصنيعنا واضح ومعروف لا يتجاوز ال 200 ألف ليرة سورية، وأن الخيمة مقاس 4 أمتار عرضا بـ 4 أمتار طولا هي الأكثر طلبا، على اعتبار تكلفتها أقل، وقادرة على إيواء العائلة مؤقتا. (3-4)

السيد مصطفى حبيب وهو خياط وتاجر شوادر، يؤكد زيادة الإقبال خلال الأيام على تفصيل وشراء الشوادر، إذ وصل عدد الزبائن اليوم حوالي 15 زبونا وهو عدد لا يتكرر كثيرا خلال السنة، والتسعيرة بالمتر الذي ارتفع سعره حتى ال 20 ألف ليرة.

والسيد جعفر أبو إبراهيم لفت إلى أن مخيمات الإيواء تعتبر حلولا إسعافيه بحاجة لتكثيف الخدمات فيها من تجهيز أرضيات صلبة تساعد على مقاومة العوامل الجوية، وتجهيز صرف صحي يلائم حاجات المدنيين ويحد من فرص انتشار مرض الكوليرا. وأكد أن الخدمات في مراكز الإيواء، وتشمل تجهيز عدد منها بالتنسيق مع المجالس المحلية، إضافة إلى خدمات المياه والإصحاح وخدمات تسهيل الأرضيات وفرشها بالحصى، مع استمرار عمليات إزالة الركام وفتح الطرقات التي أغلقت بسبب الانهيارات.

اننا في الفيدرالية السورية لمنظمات وهيئات حقوق الانسان والمنظمات والهيئات المعنية في الدفاع عن حقوق الانسان في سورية، واستنادا على معلوماتنا من المؤسسات العاملة بمختلف القطاعات (الإيواء، الحماية، دعم القطاع الصحي، المياه والإصحاح وغيرها) منذ اللحظات الأولى للاستجابة العاجلة عبر مجموعات التنسيق والتنفيذ التي شكلت مباشرة وكذلك عبر خططهم طويلة الأمد المخطط لها في نهج الاستجابة المستقبلية، توصلنا الى ضرورة الاهتمام السريع بالحاجات الاتية:

1. الحاجة الماسة لدعم مراكز الإيواء المقامة وإحداث مراكز إيواء جديدة ضمن الاستجابة العاجلة، ودعم هذه المراكز بما يلزم من مستلزمات الإقامة التي تليق بالكرامة الإنسانية والإطعام والدفء مراعين الخصوصية والحالة النفسية للمقيمين، بعدما وصلت أعداد المنازل المدمرة والمتصدعة، ما يستلزم وضع الخطط والإمكانات وإقامة حملات التبرع لدعم قطاع الإيواء بإنشاء شقق سكنية مبنية وتتماشى مع أعداد النازحين والفاقدين لبيوتهم وتتماشى مع دعم وإدارة المخيمات بالعديد من قطاعات البنى التحتية من شق للطرقات وتأمين المياه ومستلزمات الصرف الصحي والإنارة وتعبيد الطرقات وغير ذلك.

2. الحاجة للدعم الغذائي وفق برامج الإغاثة المباشرة، وهذا الدعم يجب أن يراعي الحاجات الجديدة للمتضررين، خصوصا الأطفال والنساء وتطوير محتويات الدعم السابق ومضاعفته لما يتلاءم مع الحاجة الطارئة، لأنه هنالك عدد ضخم للمتضررين المحتاجين لاستمرار المساعدات الغذائية (سلل ناشفة وسلل طوارئ ووجبات اطعام يومية)، لقد كان هنالك تناقصا كبيرا بحجم الاستجابة الغذائية.

3. دعم العملية التعليمية الذي هو أحد أهم الأولويات، ما شكل تحديا كبيرا أمام الإمكانيات المتوفرة، وهذه الأولوية تحتاج للمزيد من الدعم والشراكات مستندين لخبرة الكوادر في المجال التعليمي عن احصاءات التسرب والأمية والأساليب والمناهج المناسبة التي يجب أن تتوفر لدعم ذلك. بعد ان تعرضت لأضرار مختلفة أكثر من 450 منشأة تعليمية عامة وخاصة، ورافق ذلك توقف العملية التعليمة وعدم القدرة على الاستمرار بما هو مقرر، مما شكل هذا التحد محورا هاما بالاستجابة الممنهجة، وضرورة العمل على احداث مراكز تعليم تعويضية بالسرعة القصوى، ودعم إعمار المنشآت التعليمية وإحداث الصفوف وإحصاء حالات التسرب ومتابعتها وتنشيط عمليات الدعم النفسي والحماية المرافقة لذلك.

4. برزت الحاجة المستمرة لتزويد الأفراد والتجمعات السكنية ومراكز الإيواء بمياه الشرب، وكذلك إلى عمليات ترحيل القمامة ومياه الصرف الصحي، وكذلك العمل على تمديد شبكات مياه عاجلة لهذه المراكز وما يرافق ذلك من توعية للنظافة الشخصية والعدوى وغيرها.

5. برزت الحاجة الماسة الى الدعم العاجل بالمواد الطبية واللوازم الجراحية والتعقيم ومستلزمات غسيل الكلى والاسرة والوقود اللازم لعمليات الإنعاش والإنارة لهذه المشافي وكذلك دعم القسم الدوائي الخيري بهذه المشافي التي أصبحت تعاني من نقص حاد وكبير في هذا المجال.

6. برزت الحاجة لتقديم معونات نقدية للنازحين الجدد وكذلك مستلزمات التدفئة والألبسة الشتوية والأحذية خصوصا للأطفال والنساء، ويحتاج هذا المجال إلى العديد من حملات التبرع والتظافر لسد هذه الثغرة.

7. انتشرت العديد من حالات الفقد والوحدة والاكتئاب والعصبية والانهيار النفسي ناهيك عن حالات الوسواس والاضطراب النفسي المترافق مع استمرار الهزات الارتدادية، وكذاك حالات الانطواء التي تصاعدت كثيرا بعد الزلزال مما يستلزم مضاعفة جهود برامج الحماية المبنية على أسس أكاديمية مدروسة وممنهجة وكذلك القيام بما يلزم للدعم النفسي عبر العديد من الأساليب التي تتناسب وحجم الكارثة. تشكل هذه الأولوية تحد جديد بحاجة لاستجابة مدروسة وفق هيكلية منظمة، عبر إنشاء مراكز الحماية والدعم النفسي وتمكين المرأة، وتكون هذه المراكز مؤهلة ومبرمجة بشكل جيد لدعم مثل هذه الحالات ومما يفترض دراسة لزيادتها وإقامة مراكز أخرى تتناسب مع الحالات الجديدة. وهذا يشير الى تحد آخر هو ضعف الإمكانيات والحاجة الماسة للتوريد في هذا القطاع.

برزت الحاجة المجتمعية الضرورية لتدريب العاملين في المجال الإنساني، كونهم شكلوا اللبنة الأساسية في الاستجابة على العديد من المجالات التي تتعلق بالإخلاء والطوارئ والإسعاف الطبي، والإسعاف النفسي الاولي، وآليات تنظيم الاستجابة والتنسيق، وغيرها من التدريبات الضرورية لهذه الكوادر.

دمشق في 27\4\2023

الهيئة الادارية للفيدرالية السورية لمنظمات وهيئات حقوق الانسان